بحـث
المواضيع الأخيرة
الهوية في مسرح الرحباني
صفحة 1 من اصل 1
الهوية في مسرح الرحباني
لقد استطاع المسرح الرحباني إيجاد الهويّة التي يبحث عنها المسرح العربي, منذ مطلع القرن الفائت, ولم يستطع إثباتها كما يجب, حيث أوجدها الرحبانيان, فكان لمسرحهما صفاته الخاصّة بمعنى التميّز.
يقول المسرحي السوري فرحان بلبل في كتابه المسرح العربي المعاصر في مواجهة الحياة:
«الهوية تعني وجود تقاليد مسرحية وأشكال فنية منبثقة من مضمون يحتوي الواقع الاجتماعي, وتبرز وجوداً عربياً وقومياً وإنسانياً,من خلال رؤية فكرية وسياسية معينة»
هذه الرؤية استطاع عاصي ومنصور تحقيقها من خلال انتمائهما للشعب , وللقوة الحقيقية الكبرى فيه وهي الفقراء والمسحوقون, فكانت هي اللبنة الأساسية لأعمالهما, والاتجاه نحو الفقراء يعني الاهتمام بقضاياهم من خلال عدة موضوعات تناولها المسرح الرحباني تمثل المجتمع وقضايا الإنسان.
فربطوا الفقر بالثورة, فلم يكن فقيرهم خانعاً مستسلماً, بل كان يناضل من أجل حريته, وربطوا الحرية بالموت.
هذه المقايضة بين الحرية والموت لم نجدها في المسرح العربي بشكل كبير, ربما وجدناها في السينما ولكن بطروحاتٍ خجولةٍ, لم تكتمل ولم تصنع منهجاً, فنجد أبطالهم زنوبيا, مدلج (قيدوم جبال الصوان) ,ملكة بترا وغيرهما, أناساً دفعوا غالياً ثمن حريتهم, تلك الحرية التي هي في الواقع قيمةً لا تطال إلاّ في السماء, وهم اختاروا السماء.
كذلك قضية الحاكم أو السلطة التي تكررت في المسرح الرحباني بصورة مختلفة, من حاكم طاغية يتصارع مع قوةٍ أخرى وهي المقاومة, أي أنهما قوتان متوازيتان, كما في جبال الصوان, مدلج الثائر الذي استشهد على بوابة الوطن, وفاتك المتسلّط قوة الحاكم الشرّ, وهذا أصل فنيّ أخذ من الغرب الأوروبي, ولكن بموضوعات من صلب المنطقة وهموم إنسانها, لذلك كان المسرح الرحباني في طريقه إلى إيجاد الهوية.
والحاكم في صح النوم الذي نجده بصورته الكاريكاتورية, يمثل ديكتاتوراً نائماً يعطّل مصالح الناس لمدة شهر وهونائم, وعندما يستيقظ الوالي ثلاثة أيام في الشهر يختم ثلاث معاملات ثم يعود إلى نومه بعد أن يخبئ الختم.
وقرنفل التي تهدم سطح بيتها وتريد إصلاحه قبل أن يحلّ الشّتاء, لن تدع الوالي يغط في نومه مطمئناً, وتسارع إلى سرقة الختم ساخرةً من الوالي, وتختم كل المعاملات المعطلة, وتبني سطح بيتها بعد أن يكون قد مضى عليها شهوروهي تحمل الشمسية, وتدار الحوارات الغنائية تحتها وكأنها تعيش تحت الشمسية.
والحاكم في فخر الدين الذي تجتمع فيه السلطة وقائد الثورة, ويجسد دور المادة التاريخية, وطريقة تناول المؤلف لها, ولكن بالعموم هذه الأصول الفنية التي أخذها الرحبانيان من الغرب الأوروبي, وأخضعاها لتخدم موضوعات عربية فكرياً واجتماعياً وسياسياً هي التي أوجدت الهوية للمسرح الرحباني.
ومن هذه الأصول الفنية مثلاً الصراع بين بطل ومجتمع كما في الليل والقنديل, وقد كان هذا الصراع يمثل دوراً تنويرياً في المسرح. فهولو الذي يريد تكسير المنارة وفرض الظلام كي يتسنى له إنجاز سرقته, يمثل فئة من الظلاميين, الذين يريدون تحطيم كلّ المنارات, وطمس الحقيقة, لأن ذلك يخدم مصالحهم. تناولها المسرح الرحباني بشخصية هولو التي خلقت الحوار, والقنديل الذي كانت تدار حوله الحبكة الدرامية, وبه يتم تصعيد الحوار.
ومنتوره الجانب المضيئ من الحكاية,وقضية التعاون في مجتمع القرية التي تعيش على العمل والمساواة, وشخصية ديبة التي تمثل جانب الشرّ المبطّن الذي يخشى خطره أكثر من خطر هولو, لأنها تعيش بين الناس وتشرب من مائهم. فهي ضمن نسيج مجتمعهم. وأبطال المسرح الرحباني مشتقون من الواقع.
كان المسرح الرحباني يلوّن هذه البصيرة وهذا الابتداع الشعري بالموسيقا والأغنية,فيأتي دور الأغنية لتجمع طاقات الأسى عند المشاهد العربي, ويحوله إلى حزن دافئ يستطيع بعده أن يرددها بمعزل عن الموضوع.
وهنا يختلف دور المسرح الرحباني بأنه بالرغم من قتامة المشهد إلاّ أنّه يترك لنا طاقة الأمل مفتوحة
لاتخافوا .. ما في حبوس تساع كلّ الناس
بيعتقلوا كتير .. بيبقى كتير
وباللي بيبقوا بدنا نكمل
غمر الطوفان الأرض .. وعمروها اللي بقيوا
كتار قلال شوهم بنكمل باللي بقيوا
وإذ بدأ المسرح العربي الجديد بعد نكسة حزيران, أتت أعمال الرحابنة بعد جبال الصوان, بتلوين الثورة بصورة هي أقرب للكوميديا الساخرة, واعتمدت الجملة الكاشفة الرنانة , فكانت صح النوم في عام 0791, التي جعلت قرنفل تتجاوز الحاكم وتستغل غفلته فتسرق الختم, وهذا بحد ذاته احتيال على ثورة الدم بثورة بيضاء, ذكية.
هذه الرؤيا السياسية والفكرية التي تحلّى بها المسرح الرحباني كانت هي من ثبّتت أقدامه بقوة في العالم العربي, ومنه إلى العالم, حيث كانت موضوعاته مغرقةً في المحلّية وهذا ما أطلقه نحو العالمية. فمساحة التعبير الحرّ التي تميز بها المسرح الرحباني كانت واسعةً , ليس بالمطلق.
العنصر الآخر الذي ميّز الهوية الرحبانية عن غيرها, هو فيروز, تلك الظاهرة الغنائية التي يندر أن تتكرر.
اختيار الرحبانيين لفيروز واشتغالهم على صوتها, وتشكيلها مسرحياً, صنع ثالوثاً فنياًعظيماً, ساهم في تطور ذهنية الجمهور العربي, وحرره من الإطالة وحرر ذوقه من التقليدية والنمطية. وقدرتهم المدهشة على تلحين الكلام العادي تضفي على الكلام عند موسقته بعداً درامياً قوياً, جسدته فيروز بعظمة صوتها , وسحر إحساسها.
واستقطاب هذا المسرح للعديد من الملحنين المهمين الذين أطلقهم المسرح الرحباني, أغنى هذا المسرح, إلى حد كبير, أمثال الراحل فيلمون وهبي وجوزيف ناصيف وغيرهم ممن تعاونوا مع عاصي ومنصور, وقدموا لفيروز أجمل ما غنت.
وعندما نقول مسرحاً رحبانياً, نقصد به الحب والحق والجمال والفضيلة والثورة والفقر والظلم والحكاية والحلم والأسطورة والتاريخ والتضحية والحرية والوطن والمفارقة والطرفة والعدالة والبطولة و..... شاعرة الصوت(فيروز) .
يقول المسرحي السوري فرحان بلبل في كتابه المسرح العربي المعاصر في مواجهة الحياة:
«الهوية تعني وجود تقاليد مسرحية وأشكال فنية منبثقة من مضمون يحتوي الواقع الاجتماعي, وتبرز وجوداً عربياً وقومياً وإنسانياً,من خلال رؤية فكرية وسياسية معينة»
هذه الرؤية استطاع عاصي ومنصور تحقيقها من خلال انتمائهما للشعب , وللقوة الحقيقية الكبرى فيه وهي الفقراء والمسحوقون, فكانت هي اللبنة الأساسية لأعمالهما, والاتجاه نحو الفقراء يعني الاهتمام بقضاياهم من خلال عدة موضوعات تناولها المسرح الرحباني تمثل المجتمع وقضايا الإنسان.
فربطوا الفقر بالثورة, فلم يكن فقيرهم خانعاً مستسلماً, بل كان يناضل من أجل حريته, وربطوا الحرية بالموت.
هذه المقايضة بين الحرية والموت لم نجدها في المسرح العربي بشكل كبير, ربما وجدناها في السينما ولكن بطروحاتٍ خجولةٍ, لم تكتمل ولم تصنع منهجاً, فنجد أبطالهم زنوبيا, مدلج (قيدوم جبال الصوان) ,ملكة بترا وغيرهما, أناساً دفعوا غالياً ثمن حريتهم, تلك الحرية التي هي في الواقع قيمةً لا تطال إلاّ في السماء, وهم اختاروا السماء.
كذلك قضية الحاكم أو السلطة التي تكررت في المسرح الرحباني بصورة مختلفة, من حاكم طاغية يتصارع مع قوةٍ أخرى وهي المقاومة, أي أنهما قوتان متوازيتان, كما في جبال الصوان, مدلج الثائر الذي استشهد على بوابة الوطن, وفاتك المتسلّط قوة الحاكم الشرّ, وهذا أصل فنيّ أخذ من الغرب الأوروبي, ولكن بموضوعات من صلب المنطقة وهموم إنسانها, لذلك كان المسرح الرحباني في طريقه إلى إيجاد الهوية.
والحاكم في صح النوم الذي نجده بصورته الكاريكاتورية, يمثل ديكتاتوراً نائماً يعطّل مصالح الناس لمدة شهر وهونائم, وعندما يستيقظ الوالي ثلاثة أيام في الشهر يختم ثلاث معاملات ثم يعود إلى نومه بعد أن يخبئ الختم.
وقرنفل التي تهدم سطح بيتها وتريد إصلاحه قبل أن يحلّ الشّتاء, لن تدع الوالي يغط في نومه مطمئناً, وتسارع إلى سرقة الختم ساخرةً من الوالي, وتختم كل المعاملات المعطلة, وتبني سطح بيتها بعد أن يكون قد مضى عليها شهوروهي تحمل الشمسية, وتدار الحوارات الغنائية تحتها وكأنها تعيش تحت الشمسية.
والحاكم في فخر الدين الذي تجتمع فيه السلطة وقائد الثورة, ويجسد دور المادة التاريخية, وطريقة تناول المؤلف لها, ولكن بالعموم هذه الأصول الفنية التي أخذها الرحبانيان من الغرب الأوروبي, وأخضعاها لتخدم موضوعات عربية فكرياً واجتماعياً وسياسياً هي التي أوجدت الهوية للمسرح الرحباني.
ومن هذه الأصول الفنية مثلاً الصراع بين بطل ومجتمع كما في الليل والقنديل, وقد كان هذا الصراع يمثل دوراً تنويرياً في المسرح. فهولو الذي يريد تكسير المنارة وفرض الظلام كي يتسنى له إنجاز سرقته, يمثل فئة من الظلاميين, الذين يريدون تحطيم كلّ المنارات, وطمس الحقيقة, لأن ذلك يخدم مصالحهم. تناولها المسرح الرحباني بشخصية هولو التي خلقت الحوار, والقنديل الذي كانت تدار حوله الحبكة الدرامية, وبه يتم تصعيد الحوار.
ومنتوره الجانب المضيئ من الحكاية,وقضية التعاون في مجتمع القرية التي تعيش على العمل والمساواة, وشخصية ديبة التي تمثل جانب الشرّ المبطّن الذي يخشى خطره أكثر من خطر هولو, لأنها تعيش بين الناس وتشرب من مائهم. فهي ضمن نسيج مجتمعهم. وأبطال المسرح الرحباني مشتقون من الواقع.
كان المسرح الرحباني يلوّن هذه البصيرة وهذا الابتداع الشعري بالموسيقا والأغنية,فيأتي دور الأغنية لتجمع طاقات الأسى عند المشاهد العربي, ويحوله إلى حزن دافئ يستطيع بعده أن يرددها بمعزل عن الموضوع.
وهنا يختلف دور المسرح الرحباني بأنه بالرغم من قتامة المشهد إلاّ أنّه يترك لنا طاقة الأمل مفتوحة
لاتخافوا .. ما في حبوس تساع كلّ الناس
بيعتقلوا كتير .. بيبقى كتير
وباللي بيبقوا بدنا نكمل
غمر الطوفان الأرض .. وعمروها اللي بقيوا
كتار قلال شوهم بنكمل باللي بقيوا
وإذ بدأ المسرح العربي الجديد بعد نكسة حزيران, أتت أعمال الرحابنة بعد جبال الصوان, بتلوين الثورة بصورة هي أقرب للكوميديا الساخرة, واعتمدت الجملة الكاشفة الرنانة , فكانت صح النوم في عام 0791, التي جعلت قرنفل تتجاوز الحاكم وتستغل غفلته فتسرق الختم, وهذا بحد ذاته احتيال على ثورة الدم بثورة بيضاء, ذكية.
هذه الرؤيا السياسية والفكرية التي تحلّى بها المسرح الرحباني كانت هي من ثبّتت أقدامه بقوة في العالم العربي, ومنه إلى العالم, حيث كانت موضوعاته مغرقةً في المحلّية وهذا ما أطلقه نحو العالمية. فمساحة التعبير الحرّ التي تميز بها المسرح الرحباني كانت واسعةً , ليس بالمطلق.
العنصر الآخر الذي ميّز الهوية الرحبانية عن غيرها, هو فيروز, تلك الظاهرة الغنائية التي يندر أن تتكرر.
اختيار الرحبانيين لفيروز واشتغالهم على صوتها, وتشكيلها مسرحياً, صنع ثالوثاً فنياًعظيماً, ساهم في تطور ذهنية الجمهور العربي, وحرره من الإطالة وحرر ذوقه من التقليدية والنمطية. وقدرتهم المدهشة على تلحين الكلام العادي تضفي على الكلام عند موسقته بعداً درامياً قوياً, جسدته فيروز بعظمة صوتها , وسحر إحساسها.
واستقطاب هذا المسرح للعديد من الملحنين المهمين الذين أطلقهم المسرح الرحباني, أغنى هذا المسرح, إلى حد كبير, أمثال الراحل فيلمون وهبي وجوزيف ناصيف وغيرهم ممن تعاونوا مع عاصي ومنصور, وقدموا لفيروز أجمل ما غنت.
وعندما نقول مسرحاً رحبانياً, نقصد به الحب والحق والجمال والفضيلة والثورة والفقر والظلم والحكاية والحلم والأسطورة والتاريخ والتضحية والحرية والوطن والمفارقة والطرفة والعدالة والبطولة و..... شاعرة الصوت(فيروز) .
لؤي- عدد المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 02/11/2009
العمر : 36
مواضيع مماثلة
» لقاء باسمة و زياد الرحباني و التعاون القريب...
» مسرح العبث ماهو وماذا بقي منه ؟؟
» دريد لحام: عودة «مسرح الشوك»؟
» «من يوقظ الشمس؟».. محاولة شابة لإيقاظ مسرح الطفل
» العرض المسرحي حكاية علاء الدين على خشبة مسرح الحمراء بدمشق
» مسرح العبث ماهو وماذا بقي منه ؟؟
» دريد لحام: عودة «مسرح الشوك»؟
» «من يوقظ الشمس؟».. محاولة شابة لإيقاظ مسرح الطفل
» العرض المسرحي حكاية علاء الدين على خشبة مسرح الحمراء بدمشق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السبت نوفمبر 30, 2013 5:57 am من طرف ايمن حسانين
» لقاء تليفزيونى للكاتب المسرحى / ايمن حسانين
الإثنين نوفمبر 04, 2013 3:20 am من طرف ايمن حسانين
» أحلى عيد لأغلى مموشة
الأحد ديسمبر 09, 2012 8:30 am من طرف FOX
» احترت في هذا العيد هل أعلن فرحي للمعايدة أم أعلن الحداد ؟!
الإثنين نوفمبر 07, 2011 10:15 am من طرف NoUr kasem
» محمود درويش . . تكبر تكبر
الخميس أكتوبر 27, 2011 8:56 am من طرف NoUr kasem
» المخلـــــــــــــــــــــص
الأحد أكتوبر 23, 2011 7:11 am من طرف NoUr kasem
» عيوني هي التي قالت : وما دخلي أنا
الجمعة أكتوبر 21, 2011 1:37 pm من طرف sanshi
» سيمفونية سقوط المطر
الجمعة أكتوبر 21, 2011 8:42 am من طرف NoUr kasem
» مسلسل "أوراق مدير مدرسة" يعرض مشاكل الطلاب والأساتذة وصعوبات التدريس الحديث
الجمعة أكتوبر 21, 2011 7:46 am من طرف NoUr kasem