الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة
الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» لمحبي فن المسرح الجميل صدر اخيرا مسرحية " انا ارهابي "
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالسبت نوفمبر 30, 2013 5:57 am من طرف ايمن حسانين

» لقاء تليفزيونى للكاتب المسرحى / ايمن حسانين
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالإثنين نوفمبر 04, 2013 3:20 am من طرف ايمن حسانين

» أحلى عيد لأغلى مموشة
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالأحد ديسمبر 09, 2012 8:30 am من طرف FOX

» احترت في هذا العيد هل أعلن فرحي للمعايدة أم أعلن الحداد ؟!
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالإثنين نوفمبر 07, 2011 10:15 am من طرف NoUr kasem

» محمود درويش . . تكبر تكبر
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالخميس أكتوبر 27, 2011 8:56 am من طرف NoUr kasem

» المخلـــــــــــــــــــــص
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 7:11 am من طرف NoUr kasem

» عيوني هي التي قالت : وما دخلي أنا
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 1:37 pm من طرف sanshi

» سيمفونية سقوط المطر
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 8:42 am من طرف NoUr kasem

» مسلسل "أوراق مدير مدرسة" يعرض مشاكل الطلاب والأساتذة وصعوبات التدريس الحديث
2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 7:46 am من طرف NoUr kasem

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Empty 2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول

مُساهمة  KhaLed AhMad aLsaYed الخميس سبتمبر 10, 2009 1:29 am

بابلو : هذه! "تاريخ العالم" أيعجبك التاريخ؟
مارغا : على شكل عادي. وأنت؟
بابلو : هو تضخّم في الذاكرة، ولا شيء من الخيال. لكنّ هذا الكتاب يختلف. لقد أمتعني حقاً.
مارغا : (تنظر إلى الكتاب) آه! "الحياة حلم"
بابلو : الآن فهمت لماذا كان أبي يدعوني أحياناً: سيغسموندو: إنسان عظيم، سيغسموندو هذا. ما رأيك؟ (يجلس على الكرسي، لكن بشكل معكوس) أشاهدت هذه المسرحية ذات مرة؟
مارغا : ذات ليلة لا تنسى! كنت ما أزال طالبة.
بابلو : يطيب لي أن أذهب إلى المسرح معك، آخذاً بذراعك وأرى الشوراع المضاءة والنوافير التي تطلق الماء إلى الأعلى، لا بدّ من أن يكون ذلك رائعاً!
مارغا : لا يزال الوقت مبكراً على هذا. تحتاج إلى مزيد من التقدم.
بابلو : (ينهض مصمّماً) ولم لا يكون هذه الساعة نفسها؟
مارغا : رجال المدن شيء آخر، إنهم قادرون على الضحك منك.
بابلو : يضحكون مني؟ ولم؟
مارغا : هناك يضحك المغفّلون دائماً من الأذكياء. وهذا هو انتقامهم.
بابلو : لكنهم معي، عليهم أن يفكروا بالأمر مرتين. أترين هذه القبضة؟ ستوجّه إلى أول من يجرؤ على ذلك.
مارغا : لهذا السبب نفسه، لا تستطيع الذهاب حتى الآن.
بابلو : سئمت الانتظار. إذا كنت لا تريدين الذهاب، فسأذهب وحدي.
مارغا : اسمع يا بابلو. أتثق بي؟
بابلو : ثقة كاملة.
مارغا : إذاً، انتظر. أنا أطلب منك ذلك. (ترى العمة أنخلينا عائدة) اليوم ستحصل على ما هو شيء أهم من رؤية النوافير والشوراع المضاءة.
بابلو : ما هو؟
مارغا : العمة أنخلينا ستقول لك.
بابلو ومارغا وأنخلينا.
أنخلينا : إنها ذكريات من والدتك. هذا ما استطعت العثور عليه. (ينظر بابلو إلى الأشياء بانفعال عميق دون أن يجرؤ على لمسها)
بابلو : هذه الأشياء من والدتي؟ هل أمسكتها بيديها؟
أنخلينا : هي أشياء قديمة لا قيمة لها. لكنها كانت تحبّها كثيراً.
بابلو : أي شيء هذا؟
أنخلينا : علبتها الموسيقية، لا تحتاج إلا أن تضغط هنا (تطلق العلبة الموسيقية صوتاً بلّورياً طفولياً. يأخذها بابلو بين يديه وينظر إليها مدهوشاً وهو يستمع)
بابلو : أكانت أمي تسمع هذه الموسيقا؟
مارغا : حين كانت تشعر بالوحدة وهي تقرأ... وحين كانت تدخل لإيقاظك.
بابلو : لكن هذا معجزة يا مارغا! ذلك كأني أسمعها هي نفسها... كأني أراها أول مرة جالسة تفكر وكتابها بيدها... (يضع باحترام عميق علبة الموسيقى التي ظلت تطلق نغمها على المنضدة حتى حُلّت ربطة الحبل) وهذا الشيء الآخر.
أنخلينا : شيء بسيط. لعبة يابانية من ذلك العصر يلمس لولب تنطلق من العلبة الكبرى علبة أخرى أصغر، ثم أخرى أصغر من الثانية وهكذا... إنها لعبة حمقاء لم أفهمها أبداً.
مارغا : مؤكد أنها اشترتها لك.
بابلو : وهذه الصورة؟ (يضع الصندوق) ومن هذه المرأة؟
أنخلينا : أمك. صورتها معك منذ عشرين عاماً.
بابلو : معي! انظري إليها يا مارغا! (بفرح يكاد يكون صراخاً) معاً، معاً! (يضغط بالصورة على صدره. تتبادل المرأتان النظرات متأثرتين)
أنخلينا : أتحب أن ندعك وحيداً؟
بابلو : نعم، من فضلك. أما مارغا، لا ومعذرة يا عمّتي. معها أشعر كأني مع ذاتي. أتفهمين؟
أنخلينا : أفهم، يا بنّي، أفهم. (تتأهّب للخروج)
بابلو : انتظري (يعانقها بقوة) شكراً يا عمة أنخلينا، أنخليكا. أنخيلوتشا... يا ملاك!
أنخلينا : (مختنقة) كفى! لقد خنقتني... أيها المتوحّش. (وهي خارجة) الوحش الحبيب!
مارغا وبابلو.
بابلو : (بابلو يجلس ويتأمل الصورة. ويحاول أن يبتسم. أحس بالخجل إذ تبلّلت عيناه اللتان ينظفهما بيده) أنا أبله! ولا أدري ما جرى لي. أكاد لا أراها.
مارغا : ولا تبال: خلال لحظة ستراها على شكل أفضل. (تجلس إلى جانبه)
بابلو : لا أدري كيف أشرح الأمر لك. أنتِ ألفتِ رؤية أمّك على شكل تلقائي وبالعادة أما أنا فكأنما ولدت للتو. ما لون عينيها؟
مارغا : زرقاوان!
بابلو : زرقاوان؟ (ينظر بإمعان إلى عيني مارغا ثم يُرجع النظر إلى الصورة. لعبة يكررها على طول المشهد) يا للغرابة! كنت أعتقد دائماً أن العينين الجميلتين هما دائماً خضراوان!
مارغا : شكراً لك.
بابلو : زرقاوان!... لم أر أبداً عينين زرقاوين. والشعر؟
مارغا : كستنائي فاتح.
بابلو : كشعرك.
مارغا : شعرها أطول وأغزر من شعري. تلك عادة العصر.
بابلو : لكن شعرك يفوح برائحة الغابة.
مارغا : كنت أجري هذا المساء كله بين غابات الصنوبر.
بابلو : أأمعنت النظر في يديها؟
مارغا : هما ناعمتان صغيرتان، كالخزف.
بابلو : ويداك أيضاً. هما بوسع يدٍ واحدةٍ من يدي. ألا تزعلين لو قلت لك شيئاً؟
مارغا : (تبتسم) لست بحاجة لتقول لي ذلك. هي أجمل مني بكثير.
بابلو : أحقاً، لا يزعجك هذا؟
مارغا : على النقيض من ذلك. يفرحني أن أراك فخوراً بأمك.
بابلو : وأنا؟ أأبدو جميلاً في هذه الصورة؟
مارغا : سحر خالص.
بابلو : إذاً، لماذا تبتعدين عني في النهر؟ وأنا في الصورة عارٍ أيضاً عرياً كاملاً.
مارغا : الأمر مختلف، في الصورة، كان عمرك أربع سنوات.
بابلو : آه، أهي مسألة زمن؟ في سن يصبح المرء غير أخلاقي؟
مارغا : حسب الشخص... بعضهم في الحال... أنت لم تصبح بعد.
بابلو : وأنتِ، أصبحت؟
مارغا : أنا، لماذا؟
بابلو : إذا كنا لا نستطيع التعرّي في النهر، وأنا لم أصبح بعد لا أخلاقياً... أحدنا يجب أن يكون لا أخلاقياً. أأنت؟
مارغا : لم يخطر ببالي هذا أبداً... لكنه ممكن.
بابلو : لا، هذا، لا، أجيبي بوضوح، أهو سؤال صعب جداً؟
مارغا : السؤال ليس صعباً. حين يتعلّق الأمر بالأخلاق تكون الإجابات صعبة.
بابلو : لماذا؟
مارغا : لأننا نتكلّم حتى الآن اللغة ذاتها، فكل ما أعجز عن فهمه، يبدو لك طبيعيّاً، والعكس صحيح.
بابلو : كلا! يا مارغا. هذا غير صحيح. ما يجري هو أنكم تحكون دائماً عن كلمات، بينما أتكلّم أنا عن أشياء.
مارغا : ماالذي تسميه "أشياء"؟
بابلو : كل ما يستطيع المرء أن يفهمه لوحده دون أن يشرحه له أحد.
مارغا : مثلاً؟
بابلو : أولاً، هناك الأشياء الصغيرة. هذه اليد الدافئة، برد الشتاء، وقمر الليل. وهناك بعدئذ الشيئان الكبيران اللذان يجعلان المرء يرتعد: الموت والله.
مارغا : (تنظر إليه مدهوشة) أتعرف أن تقول ما هو الموت؟
بابلو : رأيته مراراً وتكراراً عن قرب. المرة الأولى حين كنت في الثامنة من عمري. أتتذكرين أني حدّثتك عن روسينا؟
مارغا : الظبية التي كانت تفرّ إلى الغابة في الربيع؟
بابلو : ذات مساء كنت وحيداً، ورأيتها قادمة تجرّ نفسها جرّاً، وفي خصرها بقعة حمراء، حاولت أن أنظّف تلك البقعة، لكنّها كانت تنظر إليّ بعينين حزينتين وكأنها تقول: "لا تتعب نفسك يا صغيري؛ لا جدوى من سعيك" واضطجعتُ قرب النار تنتظر. وأحسست فجأة أن شيئاً بارداً غامضاً يخترق الباب، وأن أمراً رهيباً سيحدث أمامي دون أن أستطيع حياله شيئاً. وهكذا وقفت ارتجف في إحدى الزوايا حتى أدركت بوضوح أن عينيها لا تزالان هناك، لكنّ نظرتها لم تعد موجودة ولما جاء والدي ولفظ كلمة "موت"، لم أجد لها لزوماً، لأني كنت أدركت معناه أتفهمين الآن.
مارغا : لا أدري... الموت سكينة تُرى وبرد يُلمس. أما الله...
بابلو : الأمر ذاته. أنا لا أستطيع فهم آلة طابعة دون أن تشرحيها لي. فهي جد معقدّة. أما الموت والله فهما، على النقيض، بسيطان للغاية.
مارغا : وهل اكتشفت الله وحدك أيضاً؟
بابلو : قد يكون مثل اكتشافك له. هو شيء آخر طبيعي.
مارغا : لكن، ربما كنت سمعت بهذه الكلمة على الأقل.
بابلو : سمعت الكلمة. لكن ما قيمة الكلمات إذا كنت لا تعرفين ما تحمله من معان؟ كان ذلك حين عودتي من الصيد، وقد ابتعدت عن والدي ووجدت نفسي ضائعاً في جبل مقفر. أكنت ذات مرة وحيدة في الجبل وقت انفجار العاصفة؟
مارغا : أبداً.
بابلو : كان الليل يبدو أنه يحبس أنفاسه بانتظار ما لا أدري." وساد صمت عميق جداً، وسرت قشعريرة من نقرتي حتى حوافر الحصان. حينئذ أدركت كم أنا صغير، وكم أنا وحيد معزول تماماً. ضغطت بيأس على المهمازين لأهرب من تلك الوحدة، لكن دون جدوى: فالحصان كان لا يزال يرتجف دون أن يتحرّك. وفجأة أحسست أني لست وحيداً. بل إن أحداً ما كان يدنو منّي في العتمة ويناديني من الأرض ويطوّقني مع الريح، وينظر إليّ من علياء النجوم. شيء أكبر منّي كثيراً، لكنه كان يريد أن يحل في داخلي ليملأ وحدتي البشرية، لم أستطع مقاومة الخوف، وصحت بالكلمة الوحيدة القادرة على نزعة منّي: "يا الله!" في تلك اللحظة انفجر الرعد كجواب على صيحتي، وأضيء الليل كله بالبروق. حينئذ أدركت ببساطة أن من كان معي هو الله. (صمت قصير يمسك العلبة الموسيقية ويشرع بربط الحبل تتأمله مارغا متفكرة. والتفت ببشاشة) لماذا ظللت تفكرين؟ أليس الأمر واضحاً؟
مارغا : نعم، يا بابلو، أنا لم أجده وبهذا الوضوح أبداً.
بابلو : إذاً، كفانا ثرثرة وهيّا إلى العمل.
مارغا : ألا تزال لديك رغبة في العمل اليوم؟
بابلو : أنا؟ كلا، يا آنستي، كلاّ! بل أنت ستعملين الآن. أنا سآخذ فرصة صغيرة. (يمسك بالصندوق والصورة) بالإذن منك.
مارغا : ماذا ستعمل؟
بابلو : شيئاً هاماً جداً لم أستطع القيام به حتى الآن. (يبتسم) سألعب قليلاً مع والدتي.
مارغا : أتريد أن أنصرف؟
بابلو : كلا! ستبقين من أجل تصحيح الدفاتر لكن، أديري ظهرك ولا تنظري خفية. وعد؟
مارغا : وعد. (بدأ الضوء يخفت بعذوبة، تجلس مارغا إلى المنضدة مديرة ظهرها، وتمسك قلماً أحمر وتصحح، بابلو يجلس حسبما يروق له على الأرض، انتهى من ربط حبل العلبة، يضغط على الزر ويستمع إليها لحظة ثم يضعها أمامه. يسند عليها الصورة ويتأملها وهو يصفرّ من بين أسنانه للحن الموسيقي ثم يتفحّص الصندوق. يرفعه إلى مستوى أذنه ويرجّه. وكطفل يبحث عن فتحة لعبة، عثر على اللوالب المخفيّة. من العلبة الكبرى خرجت لعبة أصغر فيها، ثم أخرى، فأخرى فأخرى. بابلو يصفرّ كل مرة بسرور أكبر لمهارته ثم أتى إلى صندوق صغير حميم وجد داخله رزمة من الرسائل مربوطة بشريط. خلال المشهد تتقاطع الأجوبة التالية دون أن ينظر أي منهما إلى الآخر)
مارغا : هل لي أن أطلب منك شيئاً؟
بابلو : نعم، لكن دون أن تنظري. أي شيء؟
مارغا : أن تكتب ما قصصته عليّ للتو عن الظبية والليل العاصف.
بابلو : ولِمَ تريدينه مكتوباً؟ ما دمت قد رويته لك.
مارغا : من أجلي، يسرّني أن أحتفظ به.
بابلو : سأكتبه. أيوجد شيء آخر؟
مارغا : نعم. تنبيه بسيط. ما عملته بأوروبا وأمريكا صفحنا عنه. ما كلمتا الله والموت، فاكتبهما، رجاءً، بحروف كبيرة. (بابلو لا يجيبها. ينظر مدهوشاً إلى رزمة الرسائل) أتسمعني؟ (بابلو يفكّ الشريط) أتسمعني، نعم أولا؟ (بابلو ينظر إلى أول ظرف كالمفتون وقد اختفى صوته تقريباً)
بابلو : آديلائيدا! آديلائيدا! (يفتح ويقرأ) "عزيزتي آديلائيدا" (يتابع القراءة للحظة بصمت. يقلب الرسالة فجأة باحثاً عن التوقيع، يشحب لونه يسمع تقريباً وهو يدمدم على شكل أصم) كلا! (ينظر إلى مطلع وخاتمة رسالة أخرى) غير ممكن. (ينهض بقفزة، داعكاً الرسائل بين يديه المتشنّجتين)
مارغا : (على شكل طبيعي. دون أن تلتفت) أجرى لك شيء؟ (صوت بابلو ينطلق متصاعداً من احتجاج أصم حتى صرخة حيوانية، بينما يمزّق الرسائل نتفاً نتفاً)
بابلو : لا! لا! لا!
مارغا : (تلتفت مذعورة) بابلو!
بابلو : لا يمكن أن يكون صحيحاً!
مارغا : بابلو، عزيزي. (تهرع نحوه دون أن تفهم)
بابلو : (يبعدها بعنف) كلا! ابتعدي عني لا تقتربي مني أنتِ أيضاً!
مارغا : لكن، ماذا عملت لك؟
بابلو : لا تلمسيني!
مارغا : لا! هذا غير ممكن. (تتشبث به يابسة) لا شك أنها نوبة حمّى. بأغلى ما تحبّ لا تنظر إليّ هذه النظرة! أنا مارغا. ألا تراني؟ أي أذى، يا ترى. ألحقته بك، فدتك روحي كلها؟ تكلّم يا عزيزي، تكلّم (يصل بابلو إلى السيطرة على نفسه بجهد هائل)
مارغا : لكن، ماذا حدث لك فجأة؟
بابلو : لم يحدث شيء. مضى الأمر. دعيني. فالآن، أنا بحاجة للبقاء وحيداً. (يتجه صوب السلم)
مارغا :لا، لن أدعك هكذا. عليك أن تجيبني أوّلا!
بابلو : (مشيراً بعينيه إلى الرسائل الممزّقة) إن كنت معنيّة كثيراً فستجدين الجواب فيها. (يتجّه نحو السلم متعباً. مارغا راكعة تجمع الرسائل وتضمّ القطع الممزقة. يلتفت بابلو بسخريّة مرة) آه! لقد نسيت شكراً لك، لأنك علمتني القراءة هي ممتعة للغاية! شكراً (مارغا تفهم الأمر الآن، وتصرخ راكعة وتنادي)
مارغا : بابلو...! بابلو...! ... (بابلو يصعد راكضاً. مارغا تنتحب فوق الأرض. حلّ المساء والمشهد يغرق في الظلمة. صمت يتخلّله نشيج. خوليو يظهر في عتبة الدهليز يتأملها لحظة)
خوليو : آنسة لوخان.. (مارغا لا تسمعه) آنسة لوخان!
مارغا : (ترفع رأسها) من أنت؟
خوليو : صديق مخلص. أو هكذا آمل على الأقل.
مارغا : (بخوف مفاجئ) هذا الصوت... من أنت؟ (تهرع لإشعال المصباح. تنظر إليه مشلولة القوى) خوليو!
خوليو : بالطريقة التي نطقت بها اسمي، لا تبدو المفاجاة سارّة جداً. (يتقدّم) ألا تزالين تحقدين عليّ؟
مارغا : عما جئتم تبحثون؟
خوليو : آه! والآن سنتخاطب بصيغ المجاملة كالغرباء!
مارغا : أجب! أستظلون تلاحقونني مدى الحياة؟
خوليو : أنا لا أسعى لملاحقة أحد.. إنني في بيتي.
مارغا : بيتكم هذا؟
خوليو : بيت عائلتي من جهة أم بابلو. أم أنّك نسيت أسمي؟
مارغا : خوليو رولدان... خوليو رولدان! (تتراجع) إذاً... الأمر صحيح!
خوليو : اهدئي! من جهتي ما مضى مضى، ولا أحمل في نفسي أي شيء إزاءك. بل على العكس. جئت تحديداً لأعرض عليك سكوتي بدافع الصداقة.
مارغا : وإذا رفضت العرض؟
خوليو : لا أنصحك بذلك. سيكون الأمر أسوأ في حالة العداوة.
مارغا : سيّان عندي. كنت أعلم أن هذا الأمر سينتهي بشكل أو آخر.
خوليو : لنتفاهمْ. لست بصدد أي شيء عاطفي إنه ببساطة، صفقة. أتريدين أن تستمعي إليّ؟
مارغا : تكلم! (تجلس وكذلك يفعل خوليو)
خوليو : الصمت أحياناً كنز. ولو كنت ثرّياً لقدّمته لك هديّة.
مارغا : لكنك رجل صفقات. وأتيت لتبيعني الصفقة. أليس كذلك؟
خوليو : لا أملك مخرجاً آخر.
مارغا : والثمن؟
خوليو : رخيص جداً. بابلو لا يطيع أحداً طاعته لك. أنت علمته كتابة اسمه. وللوصول إلى ذلك اضطررت إلى جعله يوقع مئات المرات. وأسعى الآن للحصول على بعض التواقيع الإضافية.
مارغا : في ذيل بعض الوثائق التي تكتبها أنت.
خوليو : ذكيّة جداً دائماً.
مارغا : باختصار، سرقة قانونية. أليس كذلك؟
خوليو : مادامت قانونية، لا يهمّني الإسم.
مارغا : (تنهض) أفكرت أنني لن أتردد لحظة واحدة بأن أقبل بسبب الجبن؟ وأنت، الدون جوان المحترف، أهذا كل ما تعلمته من النساء. ولكن، من أيّ نساء!
خوليو : (ينهض هو أيضاً ببرود) لا ترفعي صوتك.
مارغا : اخرجْ من هذا البيت فوراً.
خوليو :أخرج بهذه الطريقة. مستحيل. غداً، سأستأنف سفري. وإذا رفضت الاستماع إليّ، فإن أحداً ما سيفعل ذلك نيابة عنّي.
مارغا : (مذعورة) ألديك القدرة على قول ذلك لبابلو؟
خوليو : لا يسرّني ذلكن لكن، إذا أجبرتني...
مارغا : لا، هذه الليلة، لا! ستكون قسوة بالغة. (تنظر باتجاه السلم بقلق تتوسل مسرعة) اسمع يا خوليو! أيمكنني أن أطلب منك مهلة؟
خوليو : أنحقّق تقدماً بذلك؟
مارغا : تابع سفرك. أتعدني أنك سترحل هذه الليلة دون أن تراه؟
خوليو : وبعدئذ؟
مارغا : بعدئذ.. سيكون ما تريد، لكن، هذه الليلة، لا، هذه الليلة، لا.
خوليو : ألا تفكرين أنك تستطيعين خداعي كما تخدعينه؟
مارغا : أوجدتني أكذب خوفاً، ذات مرة؟
خوليو : حتى الآن، لا.
مارغا : إذاً، كن مطمئنّاً حين تعود إلى هنا ستجدني مستعدّة للإجابة. أقسم لك!
خوليو : لابأس . لكن، لاتنسى أن كل الأسفار ستنتهي ذات يوم .( من العتبة) إلى اللقاء قريباً يا آنسة لوخان. (ينحني ويخرج تجمع مارغا التذكارات المبعثرة على عجل ينزل بابلو. يقف لحظة على السلم)
مارغا وبابلو.
بابلو : لماذا تجمعين هذه الأشياء؟
مارغا : سأحتفظ بها.
بابلو : لا تتعبي نفسك في المدفأة ستلتهب جيداً.
مارغا : أتظن أن من حقك الحكم على أمّك دون أن تعرفها؟
بابلو : كفى! عشت عشرين عاماً من دونها. وأستطيع أن أتابع حياتي من دونها. (يسقط متهالكاً في مقعد مارغا تقترب منه)
مارغا : أليس من الأفضل أن تستلقي؟ أنت منهك.
بابلو : ليست قواي هي التي تخذلني. أسوأ ما في الأمر أنني لا أستطيع فهم شيء... أي شيء.
مارغا :أيمكنني مساعدتك؟
بابلو : لا أعتقد. حين علّمتني هذه الأشياء المدنية، كانت تبدو لي سهلة في البدء. والآن أدركت فجأة أنني لا أفهم شيئاً ولن أفهم شيئاً أبداً.
مارغا : ماالذي لا تفهمه؟
بابلو : الآن، مثلاً: لما صعدت إلى غرفتي كان من الطبيعي أن أفكر بأمي. أليس كذلك؟ لكنني لم أستطع التفكير بها لحظة واحدة. حاولت أن أتخيّل عينيها الزرقاوين وما كنت أرى سوى عينين خضراوين. واردت التفكير بشعرها. والشيء الوحيد الذي شممته كان رائحة شعرك. لماذا؟ لماذا؟
مارغا : لا تبالغ بالارتباط بي تذكر أننا سنفترق عن بعضنا ذات يوم.
بابلو : سبق أن قلت لي هذا أول مرة. ولا هذا الانفصال أستطيع تصوّره.
مارغا : عليك أن تتآلف مع الفكرة. فكر أن هذه الليلة قد تكون الأخيرة.
بابلو : لا هذه الليلة ولا غيرها أتظنّين أني سأدعك تمضين؟
مارغا : لن تستطيع منعي لأنك لن تعرف متى أرحل. ببساطة، ستستيقظ ذات صباح وتناديني من جبل إلى جبل، "مار-غا!!!" لكنّ مارغا لن تكون هنا.
بابلو : لكن، ما الذي تزعمينه؟ أهو تحية وداع؟
مارغا : بل هو تحذير قبل أن يحلّ ذلك اليوم. ألم تكن سعيداً حتى هذه الساعة من دوني؟
بابلو : الأمر مختلف. قبل مجيئك كان العالم ملآن بأشياء. والآن لا يوجد إلا شيء واحد يطوّقني كحزام من النور: مارغا، مارغا، مارغا!
مارغا : شكراً لك، لو اختُصرت حياتي في هذه اللحظة وحدها، لكانت جديرة بأن أحياها لمجرد سماعي هذه الكلمات. لكن، لا تسلّم زمام أمرك بإفراط إلى امرأة. ألا يطيب لك أن تعود إلى الجبل؟
بابلو : فات الأوان! في الجبل كنت أُحْرم من النوم حين أكون جائعاً فقط، أو يؤلمني جرحي أو يوقظني الخوف. والآن أنت جرحي الوحيد وجوعي وخوفي.
مارغا : وهل أخيفك؟
بابلو : هذه الليلة، نعم، لأنها ليست ليلة كباقي الليالي. ألا تحسّين أنها حتى برائحتها مختلفة؟
مارغا : إنه الخريف... وهي رائحة الأرض المبلولة.
بابلو : هذا لا يكفي، هي رائحة الأرض ورائحة جلدك معاً. الرائحة التي شممتها أول مرة. لكن، يوجد فيها اليوم شيء أعمق... شيء أكثر غموضاً يتغلغل في داخلي كيوم الظبية أو يوم البرق. (بصوت حميم وهو يدنو) ألا تحسّين به؟
مارغا : (مفتونة هي أيضاً) الآن نعم، وهو يثير خوفي أيضاً، لأنه لم يسبق لي أن عرفته أبداً.
بابلو : هذا يشبه إحساسي بأني سأقع في حفرة منصوبة ألقى حتفي فيها. ومع ذلك، أريد أن أسقط! ولماذا هذه الليلة هي جدّ مختلفة عن غيرها؟ لماذا كنت في اليوم الأول أنا الأقوى؟ لكنك اليوم تملكين القوّة كلها.
مارغا : انج بنفسك مني يا بابلو! لا يزال أمامك فسحة من الوقت.
بابلو : عبثاً تحاولين. فأنا لا أستطيع العودة إلى الوراء. ولو استطعت فلن أعود. أنت التي تعرفين كل شيء: ما الذي أحس به يضطرب بآن واحد في روحي وفي جذر دمي؟
مارغا : لا أدري... عساه يكون ذات الإحساس الذي يختلج في نفسي!
بابلو : أترتعش الكلمات في داخلك أيضاً قبل أن تلفظيها؟
مارغا : ترتعش أيضاً.
بابلو : إذاً، لا يوجد شيئان كبيران فقط. بل هناك شيء ثالث يجعل حنجرة المرء ترتعش.
مارغا : نعم، يا بابلو، يوجد سر ثالث، هو شبيه بإحساسك بالله تقريباً، شبيه بإحساسك بالموت قليلاً.
بابلو : قولي هذه الكلمة الثالثة. أريد سماعها منك!
مارغا : لا لزوم لذلك، يا عزيزتي، حين تكون الكلمة الثالثة صادقة فالأفضل أن تُقال بصمت. هكذا. (تجذبه إليها بلطف ثم بهوى كامل. وبينما يتبادلان القبل يسقط الستار ببطء)

ستار


الـــفـصل الـثالـث


المكان نفسه، قليل من الوقت بعد ذلك. ليل المسرح تضيئه بغزارة كل المصابيح وبعض الشمعدانات. المائدة ملأى بصحون الخزف والبلور الناعمة. كل شيء يشير إلى أننا أمام حفلة عائلية هامة.
الأشخاص يرتدون ثياب الحفلة بمسحة متقشّفة تتماشى وبعض الحميمية، العمتان تزدانان بالمخامل الغامقة والمطرّزات الشاحبة، دون أن تفقدا أبداً نكهة العصر... ولا إخوّتهما في الملبس. المدخنة مشتعلة عند رفع الستار، يدخل إوسوبيو من الحديقة حاملاً سلّة من الزجاجات، يضعها على منضدة صغيرة متحركة قرب المدفأة. في الوقت نفسه تدخل العمة ماتيلده من البعد الأول للجانب الأيسر حاملة صينيّة من اللحوم الباردة المغمورة بالصلصة والأفاويه. خلال الحوار تنتقل كالعصفور مصلحة تفاصيل معيّنة ومنظمة أغطية.

ماتيلده وإوسويو.
ماتيلده : آمل ألا تجد عقبات في القبو!
إوسوبيو : لا اظن. خمر بوردو الأبيض للحم البارد والأحمر للمشوي كما جرت العادة في الأزمنة القديمة (يسلمها رزمة من الشموع )من أجل "التورتة"
ماتيلده : والمدعوون أين انحشروا؟
إوسوبيو : يتجوّلون مع السيد رولدان في المزرعة.
ماتيلده : أفي هذه الساعة ؟
إوسوبيو : هي ليلة مقمرة جميلة. على كل حال، إن لم تخنّي ساقي، سيكونون هنا خلال زمن قصير ليحتموا من العاصفة.
ماتيلده : ألديك ميزان ضغط جوي في ساقك؟
إوسوبيو : بل روماتيزم مفصلي. وهو الشيء الوحيد الذي خلّفه لي والدي.
ماتيلده : (انتهت من عدّ الشموع) ثلاث وعشرون، أربع وعشرون، خمس وعشرون. (تتنهّد) خمس وعشرون شمة! عام مضى تقريباً، ويبدو كأنه نزل البارحة من الجبل كجرو والذئب. لكن، أرأيت الآن كيف تليق به بزّة "السموكنغ" وكأنه كان يلبسها كل حياته؟
إوسوبيو : هذه أمور تنتقل بالوراثة. أكل شيء على ما يرام؟
ماتيلده : تماماً. الشيء الوحيد الذي لا أستطيع هضمه في هذه الوليمة هو المدعوون.
إوسوبيو : صبراً، يا سيدتي. بعد كل شيء هم أقاربه الوحيدون. مهما كانوا بعيدين.
ماتيلده : لحسن الحظ أنهم بعيدون. لكنهم أولاً وآخراً من آل رولدان. هذا الغصن المتعفّن يندّس دائماً في هذا البيت (تنظر إلى المائدة المتحركّة وإلى كأس من فضة فوقها) وهاتان الزجاجتان الفارغتان؟ من شرب زجاجتين من الشمبانيا؟
إوسوبيو : السيد بابلو، كما افترض.
ماتيلده : بابلو يشرب؟ غير ممكن. أشربهما وحده؟
إوسوبيو : هو وابن خاله خوليو. منذ لحظة كانا هنا فرحين، ضاحكين متعانقين.
ماتيلده : لكن بابلو ليس من عادته أن يشرب يمكن أن يكون هذا خطراً.
إوسوبيو : لا تبالي، رأسه صاحٍ تماماً.
ماتيلده : لا أصدّق مذ عاد ابن الخال خوليو، أسرفا في العناق وفي الخروج معاً. وهذا الرجل جاء يبحث عن شيء هنا، ولن يأتي منه خير.
إوسوبيو : هي شؤون شبابيّة! (تدخل العمة أنخلينا حاملة صينية أخرى) أتحتاجان شيئاً آخر؟
ماتيلده : لا نحتاج شيئاً. شكراً لك يا إوسوبيو (يخرج إوسوبيو باتجاه الحديقة العمة ماتيلده تنظر مغمومة إلى الزجاجتين الفارغتين ثم ترفعهما. العمة أنخلينا تضع الصينية، وتأخذ على شكل آلي بتناول كؤوس وأغطية من الخزانة. تُقبل والغم بادٍ عليها بوضوح أكثر من أختها الآن. دون شك السبب أكثر جدية. تجيب شاردة الذهن كصدى دون أن تسمع ما يُقال لها.)
ماتيلده وأنخلينا.
ماتيلده : إنه عيد ميلاده الأول! يذكرني بأيام زماننا حين كنا نلبس في هذه المناسبات ثياباً طويلة. أوضعت (التورتة) على نارٍ هادئة؟
أنخلينا : نعم، يا ماتيلده. إنها في القرن.
ماتيلده : لم تغلقي الفرن، أليس كذلك؟
أنخلينا : بلى، يا ماتيلده، أغلقته.
ماتيلده : أغلقته؟ إذاً لا بد أنها تحترق.
أنخلينا : نعم يا ماتيلده، لا بد أنّها تحترق.
ماتيلده : لكن أنخلينا، أأنت نائمة أم أنك أصبت بالصمم فجأة؟
أنخلينا : نعم، يا ماتيلده، فجأة.
ماتيلده : (تنظر إليها بذهول) أنخلينا! (تظل أنخلينا ساكنة ونظرتها غائبة تقترب ماتيلده بحزم وتمسك بها من كتفيها وترغمها على الالتفاف) استيقظي وخلّصيني هل لي أن أعرف ماذا جرى لك هذه الليلة؟
أنخلينا : دعيني!
ماتيلده : كلا! انظري إليّ وأجيبي. ما الذي يجري هنا هذه الليلة؟
أنخلينا : اتركيني، قلت لك! (تتخلّص منها وتهرع إلى مقعد وقد أخفت وجهها وتنفجر بالبكاء تتبعها ماتيلده خائفة. وتنتقل إلى لهجة حميمة)
ماتيلده : آه! إذاًن الأمر خطير... بمّن يتعلق؟ (تركع إلى جانبها) بحياتك لا تفزعيني تكلّمي.
أنخلينا : حلفتُ ألا أبوح بالسر إلى أحد. لكنني لا أستطيع السكوت لا أستطيع... مارغا سترحل هذه الليلة.
ماتيلده : سترحل؟ لماذا؟
أنخلينا : أتظنّين أني أعلم؟ دخلتْ غرفتها ظناً مني أنها غير موجودة. لكنني وجدتها هناك تبكي في الظلام وقد حزمت أمتعتها.
ماتيلده : دون أي تفسير؟
أنخلينا : دون تفسير فقط قالت لي أن رحيلها سيكون في صالح بابلو. وحلّفتني ألا أخبر به أحد حتى تصبح بعيدة. يجب أن نعمل شيئاً يا ماتيلده. لا ينبغي لمارغا أن ترحل هكذا.
ماتيلده : (تنهض متفكّرة) لا بأس! يبدو لي أني بدأت أفهم كثيراً من الأمور.
أنخلينا : أكنت تلحظين شيئاً؟
ماتيلده : منذ شهرين تقريباً مارغا لم تعد مارغا ذاتها. أراها حزينة وشاحبة دائماً. وعيناها أكبر من ذي قبل.
أنخلينا : أتعاني من مرض؟
ماتيلده : أتتذكرين ذلك اليوم حين كنا نتناول طعام الغداء وهوت دون إحساس فوق المنضدة؟
أنخلينا : لكنه كان حادثاً عابراً مجرد دوار بسيط.
ماتيلده : ليست المرة الأولى التي يعرض لها هذا الدوار. ولا المرة الأولى التي تبكي فيها في الخفاء لاجئة إلى إحدى الزوايا. حين تتصرف فتاة هذا التصرف ويمكن أن يوجد لديها شيء أخطر من مجرد مرض.
أنخلينا : (تفهم الأمر فجأة، وتقف على قدميها بقفزة واحدة) أيُعقل؟
ماتيلده : نعم، يا أنخلينا، نعم. وأسوأ ما في الأمر أن ذلك ليس مسؤوليتها. وإنما مسؤوليتنا نحن لأننا لم نفطن له في الوقت الملائم.
أنخلينا : السيد رولدان أشار إلى ذلك منذ اليوم الأول. أتتذكرين؟ "لديكما هنا برميل من البارود واجتهدتما في جلب عود ثقاب قريباً منه" والآن من المذنب عود الثقاب أم البرميل؟
ماتيلده : وهذا ما يثير غضبي أكثر من أي شيء آخر. أيمكن لآل رولدان أن يكونوا في هذه الحياة اللعينة دائماً على صواب؟ (يُسمع بابلو وخوليو قادمين وهما يغنيان، وسط الضحك أغنية صغيرة خشنة.)
أنخلينا : ها هما، ماذا نفعل يا ماتيلده؟
ماتيلده : في هذه اللحظة، علينا أن نقوم بعبء هذه الوليمة السعيدة على أفضل ما يمكن. لكن، قولي لمارغا ألا تترك البيت حتى آمرها، ولتنزل للمشاركة في الحفل، وليكن ما يكون، (تصعد أنخلينا السلم) والآن سنرى إن بقي شيء من هذه التورتة اللعينة، أم أنها احترقت كما يحترق دمي. (تخرج من البعد الأول للجانب الأيسر. يدخل بابلو وخوليو من الدهليز ممسكين بذراعي بعضهما وكأنهما يتساندان. بابلو مشعّث الشعر وربطة عنقه محلولة. لا شك أنه منتشٍ دون أن يبلغ مرحلة السكر. لكن سيكون من الصعب أن نعرف إن كانت هذه البّهجة الخمرية حقيقة أم أنه يُخفي شيئاً آخر تحتها. خوليو، على نقيضه، معتاد على الشرب ويُرى بوضوح أن فرحة المزيّف لا يعدو كونه خدعة يحمل محفظة وثائق. غناؤهما يصاحبه حركات وتصفيق مضحك:
بابلو وخوليو
الاثنان معاً: العم توماسون
يحب البقدونس
في الشتاء وفي نيسان.
لكن بشرط:
ديبيرين، دين، دين
ديبيرين، دين، دون
الشرط:
أن يكون البقدونس
خطم خنوّص( ) برّي
بابلو : (ضحك وربت) أنت عظيم يا خوليو. تصوّر أني عشت حتى الآن دون أن أعلم ما معنى صديق عناق، يا صديقي! (يتعانقان)
خوليو : شكراً، يا بابلو، كنت واثقاً أننا سنكون خير أصدقاء في العالم.
بابلو : النساء هن اللواتي يجهدن في إبعادنا عن بعضنا. أتفهم؟ هن لا يعجبهن في الحقيقبة شيء إلا البكاء. لكن الرجال لا يبكون. الرجال يشربون وحين يتعبون من الشرب يغنون وبعد أن يتعبوا من الغناء يعودوا إلى الشرب. المرأة حيوان عاطفي. والرجل حيوان ذكي. عناق آخر!
خوليو : عناق آخر! وكأس أخرى من الشمبانيا؟
بابلو : دائماً! لكن، أنت، لا. (يتنزع الزجاجة منه) أنت تفتحها برقّة زائدة. يلّذ لي أن أسمعها تهدر بهدير كبير. تشيش - بام! هكذا، هدير مع زبد، زبد غزير (يناوله كأساً) أيوجد شيء في العالم أفضل من صديق؟
خوليو : من صديقين!
بابلو : إذاً، نخب الصديقين!
خوليو : بصحّتك! (يشربان، يترنّح قليلاً. ويسقط في مقعد)
بابلو : اللعنة على الشمبانيا! ما أقوى فعلها! إنها تُرخي ركبتيك وكأنك قضيّت نهارك كله على متن الحصان (ينهض يضرب على جبهته في لحظة خاطفة من الحدس) صحيح! الشمبانيا مثل الحصان: نار في العروق وزبد في الفم. إنها حصان مكمّم بزجاجة!
خوليو : ما أحس قولك! أنت رجل عظيم بحق.
بابلو : أحقاً ما تقول؟ عناق آخر يا أخي!
خوليو : أخوان مدى الحياة! (يسقط بابلو في المقعد مرة أخرى خوليو يمدّ يده إلى محفظته) والآن، أتريد أن تسمعني لحظة واحدة؟
بابلو : عدنا إلى الصفقات؟ أسترغمني على العمل في هذه الساعات؟
خوليو : هي مجرد تواقيع. أما العمل فأتولاه أنا. الأسياد يكتفون بوضع تواقيعهم. (يمدّ له قلماً) هنا!
بابلو : أفي هذه الساعة؟ سيكون ذلك صعباً. أولاً عليّ أن أتعلّم.
خوليو : لا تقل لي إنك لا تعرف أن توقّع!
بابلو : نصف معرفة. معلمتي الغبيّة علمتني الكتابة باليد اليمنى فقط. وهذه الأوراق الهامّة ينبغي أن توقّع باليسرى.
خوليو : باليسرى؟ من قال لك هذه السخافة؟
بابلو : هذا ما أراه هنا. العام الماضي انفجرت فشكة البارود في يد والدي اليمنى. ولم يعد باستطاعته أن يستعملها. هذا كان في تشرين الأول... ومع ذلك، أجد تواقيع له في أشهر تشرين الثاني، وكانون الأول وكانون الثاني... فبأيّة يدٍ وقّع؟ (ينهض) أنت لا تزال شاباً حديث السن ولا تفهم في هذه الأمور. كأس أخرى؟
خوليو : (ممتقع الوجه) كلا! (يحفظ الوثائق)
بابلو : أنت لطيف. صار لون وجهك أبيض كالورق. والآن، تبيّن أن من لا يقدر على الشرب هو أنت (يغني)
لكن بشرط
ديبيرين، دين، دين.
ديبيرين، دين، دون.
بابلو وخوليو وماتيلده.
ماتيلده : (تدخل بحزم) كفى يا بابلو! أيبدو لك لائقاً أن تستقبل أحداً وأنت على هذا الشكل؟
اصعد واغسل رأسك بالماء البارد، وسرح شعرك واصلح ربطة عنقك
بابلو : سأصعد، ولا موجب للغضب. وشكراً يا خوليو. أقسم لك إنك جعلتني أقضي أمتع لحظة في حياتي (وهو على السلم) ولا تنسى- إيه إن الوثائق الهامة توقّع باليسرى... باليسرى يا أخ.
لكن بشرط
ديبيرين دين دين
ديبيرين دين دون
الشرط
ماتيلده وخوليو ثم المدعوون
ماتيلده : ألا تخجل من أن تُسكر شاباً بائساً لم يشرب من قبلُ أبداً؟
خوليو : لا تهتمّي. يبدو لي أن رأس بابلو أصفى من رأسك ورأسي
ماتيلده : ماذا كنت تقترح عليه؟ أنتم -آل رولدان- لا تخطون خطوة دون أن تجدوا لها مبرراً. وهو دائماً مبرر ملوّث.
خوليو : دون فضائح يا سيدتي. ماذا تظن بنا هؤلاء المدعوون؟ (في الواقع، أخذ المدعوون يفدون من الحديقة، يرافقهم رولدان الأب. الدكتور أوغوستوبيريث رولدان، فرع بعيد من الفرع الذي تسميه ماتيلده، غير شرعي. هو أستاذ في الأنتروبولوجيا، تبدو واضحة عليه عيوب مهنة التعليم الجامعي. وعضو شرف في كل أكاديميات المنطقة التي ليس لديها شيء هام تعمله. فيه حذلقة الأستاذ الجامعي الذي لا يُناقش. وهو بالتأكيد مملوء بالشهادات والميداليات. دونيا لولودي بيريث رولدان، التي يبدو لها أكثر تميّزاً أو شباباً دعوتُها باسم لولو، هي زوجة الأنتروبولوجي اللامع كما يروق لأمثال هذه السيدات المغرمات بكلمات التفخيم. الابنة فيفي لها ضحكة أرنب. وفيها بلاهة فائقة تمتاز بها الفتيات المنكبات بكل ثقلهن بحثاً عن رجل وصيده. إنها غبيّة محترفة بفساد مضاعف لكونها فوق ذلك جميلة)
لولو : عزيزتي ماتيلده. كنا نطوف في أرجاء المزرعة. إنها رائعة!
ماتيلده : شكراً!
رولدان : لكنّ ما رأيتموه لا يُعدّ شيئاً. تخيلي الغابات والقطعان الكبيرة، ثم الجبل بمحصوله الوافر من الصيد...
فيفي : حلم حقيقي!
الأستاذ : والشاب؟
ماتيلده : سينزل فوراً. هو طائش قليلاً. وسأعد له قهوة ثقيلة. أتعذرونني؟
لولو : على راحتك
ماتيلده : خوليو سيقوم بواجب الخدمة. يبدو أنه خبير في تقديم المشروبات. لحظة. (تخرج من الجانب الأيسر من القسم الأول)
خوليو : خمر شيريش، أم أوبورتو؟
لولو : ألا توجد خمور فرنسية؟
خوليو : آنجو أبيض؟
لولو : ما دام فرنسياً، لا يهمنّي أياً كان نوعه. شكراً جزيلاً.( ) (خوليو يصب المشروب)
خوليو : وأنت يا رفيقي؟
فيفي : من المشروبات، أفضل (فيرجينيا) بشعر ملاك. (تضحك من ظرفها الذاتي) خي! خي! (تقترب من المائدة وتتناول "شطيرة")
خوليو : وأنت يا دكتور؟
الأستاذ : أي شيء. الشيء الوحيد الذي أرغب فيه، هو التعرف بأسرع وقت على فتى الغابة هذا.
خوليو : (يناوله كأساً) ألغاية علمية؟
الأستاذ : تخيل! سيكون فصلاً مثيراً في كتابي عن المتوحّش الحالي والإنسان البدائي. حالة لو رآها ايمرسون وروسو لخفق قلباهما لها من السعادة.
رولدان : لا تتوهم كثيراً! لعل سعيك كان ممكناً قبل عام. لكن بابلو الآن، ليس إلا متوحشاً غطت عليه الثقافة.
الأستاذ : هكذا يبدو لغير المختصّين، لكن دعوني أفحصه كأنتروبولوجي. وسترون كيف تبرز من تحت هذا الصباغ العلامات المميزة للغاية.
خوليو : أيها مثلاً؟
الأستاذ : العلامات الخالدة: الولع بالصيد البري والنهري. والحرب والميل إلى ترداد المقاطع؛ حسب الألوان الزاهية والأشياء اللامعة. خاصة هذه اللذة المحمومة التي يحس بها الأطفال وهم يعذبون الحيوانات.
فيفي : إني أموت من الفضول لرؤيته. لكنه يثير خوفي. يقال، لما رأى امرأة أول مرة هجم عليها وعضّها.
لولو : ماذا تريدين أحسن من ذلك يا غبيّة. بابلو ذو ثراء فاحش. وحسب رأي والدك، كان العضّ أولاً، ثم اختُرعت القبلة.
رولدان : هو الآن، جد مختلف ربما صار أخطر من ذي قبل، لكنه وديع، حتى أنه يبتسم ابتسامة طفل هادئ.
الأستاذ : يوجد، يوجد أيضاً المتوحّش الساذج والباسم. النموذج البولينيزي.
فيفي : على كل حال، ما ينتقل بالدم لا يُنسى. أنا واثقة من أنه يصعد ليلاً إلى الأشجار ويعوي.
الأستاذ : أحسنتِ جداً، يا بنيّتي، هذا ما كان يفعله الإنسان البدائي قبل اكتشاف النار.
لولو : لا تفزعني، من فضلك. أتظن حقاً، أن من سيمثل أمامنا غوريلا تلبس "سموكنغ"
الأستاذ : أوشيء أشد إثارة: عودة إلى عصر الكهوف.
رولدان : أيبدو لك هذا مسلّياً؟
الأستاذ : بل ساحراً! مؤسف أنْ علمه أبوه الكلام! ولولا ذلك لكان أنمودجاً عجباً.
خوليو : أنا لا يعنيني الجانب العلمي. ما يحمله بابلو في دمه قد يكون إرْثاً أشد أهمية بكثير.
لولو : ارث؟ ما هو"
خوليو : بالنسبة لنا هو الأفضل. (يترك الكلمات تتساقط) أنسيتم أن الأب عاش عشرين عاماً على هامش القانون... وأنه مات مجنوناً ؟
فيفي : (مذعورة) أيعقل؟ لن يقترب مني. أسمعتم؟ لا يقترب مني، أو أصرخ.
لولو : تفعلين ما آمرك به. ولو دعاك للخروج معاً إلى الحديقة فستخرجين.
فيفي : في الظلام مع هذا البربري؟
لولو : في الظلام كلهم سواء. وستكونين ودودة معه. أتسمعين؟ وإذا كان لا بد من التضحية... آي! معذرة. أنا لا أدري ما أقول.
رولدان : (يحس باقترابه) سكوت! (تنزل العمة أنخلينا).
المذكورون وأنخلينا ثم بابلو وماتيلده.
لولو : عزيزتي أنخلينا. في هذه اللحظة. كنا نتحدث عن ابن أخيك فيفي يقتلها الشوق لتتعرّف عليه. إنه الشباب!
أنخيلنا : إذاً، لن تنتظر طويلاً. ها هو نازل. (في السلم يظهر بابلو حسن الهندام، وشعره مسرّح جيداً. يقف في مصطبة السلم مضطرباً قليلاً أمام المدعوّين الذين وقفوا بدورهم. مبهورين وهم ينظرون إليه. غريزياً، تتراجع النساء خطوة واحدة)
بابلو : سادتي! مساء الخير جميعاً. (يهبط درجتين أخريين. النساء يرجعن خطوة أخرى. عادوا جميعاً فوقفوا ساكتين. صمت يفرضه الموقف... تدخل العمة ماتيلده وتتوقّف هي أيضاً هنيهة)
ماتيلده : يبدو أنكم أصبتم بالخرس جميعاً. اقترب يا بنيّ. ساقدمك إليهم. (يتقدم بابلو بأدب): دونيا لولودي بيريث رولدان.
لولو : عفواً: العمة لولو، من فضلك.
بابلو : تشرّفت يا سيدة لولو. (يتجه بتصميم لمعانقتها)
ماتيلده : لا، ليس كذلك السيدات لا يُعانقن، وإنما تُقبل أيديهن.
بابلو : معذرة. (يقبل يدها على شكل طبيعي) تحت قدميك، يا سيدتي.
لولو : شكراً. هذا لطف منك. أهنئك بعيد ميلادك الخامس والعشرين. أليس كذلك.
بابلو : نعم، الخامس والعشرون.
لولو : (تتنهّد) آي! هي أجمل سنّي العمر. كنت في مثل هذا السن منذ عشر سنوات، لكن، في النهاية لا بد من التسليم بالواقع. ابنتي فيفي!
بابلو : (للعمة ماتيلده) وهذه، عليّ أن أقبل يدها أيضاً؟
لولو : هذه، لا! أولاً وأخيراً أنتما ابنا خؤولة يمكنكَ أن تقبل جبهتها إن شئت.
فيفي : (تتقهقر مطلقة صرخة صغيرة) كلا!
بابلو : يبدو أن القبلة على الجبهة لا تروق لها أبداً. على الأرجح، تفضلها في مكان آخر.
ماتيلده : مد لها يدك، ببساطة.
بابلو : تشرفت (يشدّ على يدها بقوة تخنق صرخة صغيرة أخرى ثم تداعب أصابعها متألمة)
أنخلينا : اعذريه. لديه قوة فائضة، ولم يتعلّم حتى الآن كيف يضبطها.
بابلو : إذاً، اسمك فيفي. ما أندره! ولماذا؟
فيفي : حسن! في الواقع، اسمي خوسيفينا؛ لكن ماما تقول إن فيفي أقوى. خي! خي!
لولو : فيفي في غاية الاهتمام بك. وهي لا تتعرف التحدث عن شيء آخر سواك. بعدئذ ستخرجان معاً إلى الحديقة. أحقاً يا (نينا)؟
فيفي : نعم، ماما.
ماتيلده : البروفسور أغستوبيريث دي رولدان. أستاذ فيما لا أدري.
الأستاذ : في الأنتربولوجيا، يا سيدتي.
ماتيلده : أستاذ في الانتروبولوجيا، يا سيدتي.
ماتيلده : أستاذ في الانتروبولوجيا التي لا زلت لا أعرف ما هي؛ وعضو فيما لا أدري من أكاديميات.
الأستاذ : مسرور جداً بك، يا فتى.
بابلو : أعانقك يا أستاذ. (يعانقه بقوة أكبر مما يقدّره عادة أستاذ في الانتروبولوجيا)
أنخلينا : لا تضغط عليه، وإلا حطمت أضلاعه. (تقوم العمتان بخدمة المدعوين مقدمتين الخمور والصحون. بعضهم واقف وبعضهم جالس مستريح. لكن، لا أحد على المائدة)
بابلو : إذاً، انتروبولوجيا. وهذي ماذا تعني؟
الأستاذ : بسيطة جداً: إنها العلم الذي يُعنى بالدراسة الشاملة للإنسان.
بابلو : ولا شيء غير ذلك؟ حقاً بسيطة للغاية!
لولو : الدكتور أستاذ لامع. نشر كتباً، وفي بيته دهليز فيه أربعون قفصاً فيها أربعون قرداً.
بابلو : أربعون قفصاً مع أربعين قرداً لدراسة الإنسان.
الأستاذ : بالضبط لن أقول كما يقال قديماً: إنها أسلافنا. لكنها أقاربنا البؤساء.
لولو : سيهمّك كثيراً رأي زوجي حول القرود. فهو يحبسها في دهليز، ويجري عليها تجارب في المختبر ويحقنها بكل أنواع الحقن ليرى ردود فعلها.
بابلو : آه، نعم؟ المثير في هذه الحالة سيكون معرفة ماتفكر به القرود حول زوجك.
الأستاذ : (يضحك دون قناعة كبيرة) حسن جداً. أرأيتم هذه السذاجة اللذيذة؟ إنه بولينيزي حقيقي.
بابلو : ويسكي، يا فيفي؟
فيفي : ما تريدونه، يا ابن العمة. أوّي، معذرة! أخاطبك دون مجاملة، دون إرادة مني، فقد وقعت من قلبي موقعاً حسناً! خي! خي!
ماتيلده : فيفي ألقت إليك بكلمة غزل، أليس لديك جواب عليها؟
بابلو : (ناظراً إلى الأب) رشيقة كالقردة! وأنت يا لولو؟
لولو : أنا لا أريد شيئاً. ميرسي بيان، مون شيري!
بابلو : هل أنت فرنسية؟
لولو : هي مسألة ذوق. الإسبانية شديدة العنف. أما الفرنسية، فعلى العكس، ما أحسن وقعها حتى في أسوأ ألفاظها!
الأستاذ : أتسمح لي أن أطرح عليك أسئلة؟ هو مجرد فضول علمي.
بابلو : تحت أمرك يا دكتور.
الأستاذ : (يضع صحنه، ويقلّب دفتراً صغيراً) ألا يزعجك أن أكتب ملاحظات؟
بابلو : من جهتي، أنا مسرور. اسأل. اسأل. (بينما يجيب بهدوء، يصب لنفسه "ويسكي"، ثم ينقر لقمة من هنا ولقمة من هناك، ولقمة من هناك، واضعاً إحدى رجليه على المنضدة)
الأستاذ : ماهي رياضتك المفضّلة؟
بابلو : ماذا يمكن أن تكون؟ صيد البر والنهر.
الأستاذ : (ظافراً) ألم أقل ذلك؟ إنها هوايات الإنسان البدائي: عنف الغزو. (يسجّل). وأنا واثق من أن الهواية الأخرى في الأساس هي الحرب.
بابلو : آه! هذا غير صحيح. ما أنا إلا متوحش مسكين. أما الحرب فيستأثر بها المتحضروّن.
الأستاذ : كلامك في محله، أيها الشاب.
بابلو : شكراً لك يا دكتور.
الأستاذ : أتعجبك الألوان القوية؟
بابلو : كل ما هو قوي يعجبني.
الأستاذ : والأشياء اللامعة؟
بابلو : تسحرني.
الأستاذ : كنت واثقاً من ذلك. (يسجل) ومن الأشياء اللامعة: أيها تحب؟ العقود الزجاجية... العدسات؟
بابلو : (على شكل طبيعي) النجوم وعيون النساء.
أنخلينا : (تفيض فخراً) سجّل، يا أستاذ، سجّل!
لولو : أسمعت يا فيفي؟ أليس فاتناً؟
فيفي : إنه فاتن، متى نخرج إلى الحديقة؟
الأستاذ : بعدئذ، يا نينا، الآن، أنا بحاجة إليه؛ قل لي أي الكلمات تعجبك أكثر، الطويلة أم القصيرة؟
بابلو : القصيرة.
الأستاذ : كنت أقسمت على هذا! (يسجل) مع ميل إلى تكرار المقاطع. أليس كذلك؟
بابلو : لم أفهم.
الأستاذ : أعني كالأطفال الذين يسمّون ينبوعاً: "غلو-غلو" وجرساً "تان-تان"
بابلو : كلا! لم أسمع بهذا إلا هذه الليلة: "نعم: ما-ما -كلا، في- في- نعم: لو-لو"
ماتيلده : سجل، يا أستاذ، سجل.
لولو : (تنهض مهانة) هذه فظاظة!
خوليو : (يهرع إلى التدّخل) مهلك يا سيدتي لا ينبغي أن تأخذي الأمر هذا المأخذ.
رولدان : أليس من الأفضل ترك هذا الإستجواب، وتناول العشاء بهدوء؟
الأستاذ : اهدأ، اهدأ... الشاب أجاب ببراءة.
لولو : بل قال ذلك بقصد كامل. أتدعه يشتمنا؟
فيفي : (تنهض أيضاً) هيّا بنا، يا أبي. العربة مكشوفة، والجنائني يقول إنها على وشك أن تمطر.
بابلو : نعم، يبدو لي أن عاصفة ستهّب الليلة: (يرمي، وكأنه يلعب، بسكين كانت في يده. السكين تنغرز مرتجّة في المنضدة)
الأستاذ : هل لكم أن تعملوا خيراً فتجلسوا جميعاً؟
رولدان : خير لك أن تدعه وشأنه، يا أستاذ. هذه نصيحة.
الأستاذ : سؤال واحد فقط. وهو الأخير والأدق. لكن، أتعدني بالأ تغضب؟
بابلو : (يحاول السيطرة على نفسه بشكل ملحوظ) أنا هادئ تمام الهدوء. قل (عاد المدعوون للجلوس. تسود لحظة صمت وترقب في السكون تسمع العمة أنخلينا تهدئ أعصابها في "غابات فيينا")
أنخلينا : ترا-رام ترا-رام... بام... بام.
بابلو : اتركي شتراوس، يا عمتي. قل. قل.
الأستاذ : أنت لا ريب، تشعر بمحبة كبيرة لجيادك وكلابك!
بابلو : أنا مغرم بها.
الأستاذ : بالطبع، إنها مفيدة لك. لكن، ألا تحس في قرارة نفسك، أحياناً بميل الأطفال لتعذيب الحيوانات بقسوة؟
بابلو : أنا أعذّب الحيوانات؟ أبداً. وها أنت ترى: حتى أسمح لبعضها أن تلقي عليّ أسئلة، وتكتب ملاحظات.
الأستاذ : (شاحباً) أينبغي أن أفسرّ هذه الكلمات على أنها إهانة؟
بابلو : آه! أتريدها أكثر وضوحاً؟ إذاً، تابع يا أستاذ، تابع!
ماتيلده : (تنهض مذعورة) لا يا بنيّ، لا. بهذا تجاوزت الحدود.
أنخلينا : (تنهض بدورها في تمرّد لا يُصدق على أختها البكر) اسكتي أنت! كِلْ له بكيله يا بابلو، كلْ له. (تنفجر الفضيحة. كلهم وقوف. وتتراكم التعليقات)
لولو : هذا لا يسكت عليه.
رولدان : اهدؤوا يا سادة. إنه عشاء عائلي.
لولو : أطلب منك اعتذار على الفور.
فيفي : عجباً يا أبي! حانت الساعة التي يبدأ فيها بالعواء.
خوليو : لكن، أتنبّهت لما قمت به؟
الأستاذ : (محاولاً فرض سيطرته) اهدؤوا، يا أصدقاء. باسم العلم اسكتوا جميعاً!
لولو : أتعرّض نفسك للخطر؟
الأستاذ : قلت: اسكتوا. ما تهمّ نوبة من الغضب؟ فالغضب هو ببساطة تفريغ للأدرينالين.
بابلو : (يُستثار كل مرة أكثر) ما أروع هذا العلم! فالإنسان يبذل حياته في سبيل شيء جميل... أو يشيد كاتدرائية... أو يمجن بالحب... كل ذلك ليس شيئاً، أيها السادة. هو مجرد تفريغ للأدرينالين. وبأي شيء يُكافح الأدرينالين، يا أستاذ؟
الأستاذ : بالأنسولين، يا فتى. وإذا كان هناك خطر، فالبسكّر.
بابلو : إذاً، قد نجونا بجلودنا. السكر للرجال الأحرار والأقوياء! السكر للكاتدرائيات والشعوب! مستقبل العالم يتوقّف على السكر! (على صيحات بابلو، تظهر مارغا في السلم، مرتدية ثوب حفلة. تتأمل بدهشة نهاية المشهد، وتهرع صوبه محاولة تهدئته)
المذكورون ومارغا.
مارغا : بابلو! عزيزي بابلو! اهدأ... اهدأ، من أجل مصلحتك!
بابلو : انظري هنا إلى ناس عالمك. أ إلى هذه القاذورات تريدين أن تقوديني؟
مارغا : لكن، ماذا صنعتم حتى دفعتموه إلى هذا الوضع؟
بابلو : انظري إليهم: يبدون رجالاً ونساء. لكن أحقاً هم كذلك. كلا! هم دمى من الخزف. فرقة للبكاء، وفرقة للضحك وثالثة للتحية. (يؤدي التحية بحركات مهرّج إيطالي) بونجور موسيو، بونسوار مدام!
مارغا : لا أفهم ما جرى هنا أبداً. لكن، انسحبوا جميعاً، أرجوكم!
بابلو : سيكون أفضل... أمر مخجل!
بابلو : (يوقفهم) انتبهوا إليّ! الم تأتوا إلى السيرك لتتمتّعوا برؤية الإنسان البهيمة؟ إذاً تشجّعوا! الحفلة ستبدأ عما قريب. لكن البهيمة هي التي ستقود الحفلة الآن! (يتناول جرساً صغيراً من الصوان وهو ينادي صارخاً) إوسوبيو! إوسوبيو!
مارغا : (تتشبثّ به معانقة) بأغلى ما تحب يا بابلو! (يبعدها بعنف ويهزّ الجرس مقلداً أصوات وحركات مهرّج في المعرض)
بابلو : افلتيني! ادخلوا، يا سادة، ادخلوا. هذه الليلة عندنا مجموعة من (النمر)
(مشيراً إليهم واحداً فواحداً)
الأستاذ اللامع
لا فكرة واحدة لديه.
إلا من الكتب حواليه
(دقة جرس)
الأم المزواجة
من الداخل قوّادة
ومن الخارج محترمة
(دقة جرس)
الأميرة الصغيرة فيفي
أنذهب إلى الحديقة؟ خي!خي!
أتريدين القمر؟ خي! خي!
أتريدين عريساً؟ آي. سي! سي!
(دقة جرس)
والآن! إليكم .... التالية:
رولدان: المدير
رولدان: المحامي


عدل سابقا من قبل KhaLed AhMad aLsaYed في الجمعة سبتمبر 11, 2009 3:07 pm عدل 1 مرات
KhaLed AhMad aLsaYed
KhaLed AhMad aLsaYed
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 246
تاريخ التسجيل : 08/09/2009

https://theater2010.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Empty رد: 2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول

مُساهمة  NoUr kasem الجمعة سبتمبر 11, 2009 10:30 am

بالحقيقة عنجد عنجد حلوة bounce

وأكتر شي عجبني وقت بتسألو مارغا لبابلو اذا بحب الأرقام وهو بجاوبها

هي كالكلاب وأحيانا تعض ولكنها وفية دائما

وكمان عجبني موقف بابلو من هالضيوف يلي قال يعني جايين يعايدو بعيد ميلاده وأحلى شي وقت قال لمارغا أنظري اليهم يبدون رجالا ونساء ولكنهم حقا أحقا هم كذلك، كلا، هم دمى من الخزف وفرقة للبكاء وفرقة للضحك وثالثة للتحية

يعني عنجد كلامه كتير حلو ورائع عنجد مافي أحلى من الانسان يلي على طبيعتو طبعا مع احترام الآخرين بس مو يلي مثل هيك عالم

أنا بانتظار المزيد لمثل هيك مسرحيات

مع فائق احترامي flower
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 37
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول Empty رد: 2 تكملة___اليخاندرو كاسونا مسرحية الكلمة الثالثة ((كاملة )) مسرحية من ثلاث فصول

مُساهمة  ???? الجمعة سبتمبر 11, 2009 2:23 pm

cool..
مرسيتو كتيييييييييير عهالمسرحية الاكتر من رائعة ابو وليد...

برافو عجبني كتير كلام بابلو كلامو كلو مزبوط....

بشكرك كتير خالد ...و

انشالله بنشوف منك مسرحيات اجمل واجمل ...

????
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى