الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة
الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» لمحبي فن المسرح الجميل صدر اخيرا مسرحية " انا ارهابي "
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالسبت نوفمبر 30, 2013 5:57 am من طرف ايمن حسانين

» لقاء تليفزيونى للكاتب المسرحى / ايمن حسانين
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالإثنين نوفمبر 04, 2013 3:20 am من طرف ايمن حسانين

» أحلى عيد لأغلى مموشة
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالأحد ديسمبر 09, 2012 8:30 am من طرف FOX

» احترت في هذا العيد هل أعلن فرحي للمعايدة أم أعلن الحداد ؟!
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالإثنين نوفمبر 07, 2011 10:15 am من طرف NoUr kasem

» محمود درويش . . تكبر تكبر
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالخميس أكتوبر 27, 2011 8:56 am من طرف NoUr kasem

» المخلـــــــــــــــــــــص
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 7:11 am من طرف NoUr kasem

» عيوني هي التي قالت : وما دخلي أنا
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 1:37 pm من طرف sanshi

» سيمفونية سقوط المطر
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 8:42 am من طرف NoUr kasem

» مسلسل "أوراق مدير مدرسة" يعرض مشاكل الطلاب والأساتذة وصعوبات التدريس الحديث
الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 7:46 am من طرف NoUr kasem

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Empty الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997

مُساهمة  KhaLed AhMad aLsaYed الخميس سبتمبر 10, 2009 1:10 am

الكلمة الثالثة

تأليف أليخاندرو كاسونا‏

ترجمة وتقديم علي أشقر‏

شــــــخوص الـمــــــسرحـيـة‏

1-مارغا‏

2-العمة ماتيلدِه‏

3-العمة أنخلينا.‏

4-دوينا لولو‏

5-خوسيغينا‏

6-بابلو‏

7-السيد رولدان‏

8-الأستاذ‏

10-إسوبيو.‏

الــفـصل الأول

خارج وأمام بيت ريفيّ قديم ذي خلفيّة من الجبال التي تطل على سطح من قرميد. منضدة متينة عليها كتب، وسلة فيها شغل. بعض المقاعد البسيطة. ربما عريش كرمة، أو غليسين أو شجرة جوز. حديقة صغيرة مغروسة بالأزهار، لكن، دون أن ننسى أننا أمام بيت معيشة وليس بيتاً للاصطياف. إلى اليسار سور حجري فوقه شوك أو أغصان، فيه باب حديدي يطل على الطريق. وهو بالتأكيد ليس طريقاً عاماً للعربات. إلى اليمين. يستطيل البيت ويضيع في جسم أعلى له مخرج مفتوح على الوادي والنهر. صباح يوم مشمس المسرح خالٍ يُسمع صوت العمة ماتيلده التي تخرج منادية. العمة ماتيلده وكذلك العمة أنخلينا اللتان سنعرفهما فوراًن فيهما من الفانتازيا) أكثر مما فيهما من العقل. هما امرأتان ذودتا من الوحدة والعزوبة.‏

طريقة لبسهما التي لا تتبدّل أبداً، ربما جعلتهما تبدوان من ظراز "عتيق" قليلاً أكثر مما هي في الواقع، لأننا إذا نحينا المجاملة، لا ينبغي لنا أن نفرض لهما غير أربعين عاماً ونيّف، ماتيلده، وهي أكثر تسلّطا، تميل إلى الخطابة. أما أنخلينا، وهي أكثر حذراً، فتميل إلى الموسيقى، نموذجان محببّان لهما مظهر مروحة وبياض ألبوم عائلي. لكنّ المؤلف الذي يشعر نحوهما بعطف محتوم، يَحْظر حظراً تاماً أن تتحوّلا إلى نموذجين مضحكين. أما إوسوبيو فهو لا يزعم إلا أن يكون عاملاً رصيناً في حديقة مسرح. العمل ليس له وقت ولا مكان محدّدان. لكنّ مخرجاً ذكياً سيضعه بالتأكيد في محيط أشبه ما يكون بشمالي إسبانيا وفي زمن أقرب ما يكون إلى البسمة والسلام.‏

اليسار واليمين هما يسار المشاهد ويمينه‏

ماتيلده وإوسوبيو‏

ماتيلده : إوسوبيو!... إوسوبيو‍‏

إوسوبيو :حاضر، حاضر، يا سيدتي يدخل حاملاً أغصاناً من اللوز المزهر. رأسه حاسر ومعصوب بمنديل).‏

ماتيلده : لكن، ألا تزال هنا؟ القطار سيصل بين لحظة وأخرى.‏

إوسوبيو : لدينا فائض من الوقت.‏

ماتيلده : فائض؟ ساعة غرفة الطعام تشير إلى العاشرة وعشرين دقيقة.‏

إوسوبيو : لكنّ ساعتي تشير إلى العاشرة إلا خمس دقائق. إذن الساعة هي العاشرة والربع تماماً.‏

ماتيلده : أيبدو لك وقتاً فائضاً العاشرة والربع، لتدرك قطار العاشرة واثنين وعشرين؟‏

إوسوبيو : على رسلك قطار العاشرة وخمس وعشرين لا يصل أبداً حتى الواحدة إلا خمساً وعشرين دقيقة.‏

ماتيلده : وماذا لو خطر له أن وصل اليوم بالذات في الوقت المحدّد؟‏

إوسوبيو : لا خطر في ذلك. طوال حياتي لا أذكر حالة واحدة من الدقة لهذا القطار. ثلاثون عاماً وهو يصل كل يوم متأخرّاً المدّة نفسها.‏

ماتيلده : على كل حال، ليس لدينا وقت نضيعه. هل أعددت العربة؟‏

إوسوبيو : هي في الباب.‏

ماتيلده : وهذه الزهور البيض؟ أنا طلبت منك أغصاناً خضراً.‏

إوسوبيو : حقاً، السيّدة طلبت أغصاناً وخضراً، والأنسة قالت زهور أو بيضاً.‏

ماتيلده : هذه المرّة، سماح. لكن، لا تنسى أنّى أنا الآمرة الناهية في هذا البيت، وأنا فقط.‏

ينسّىَ أغصان اللوز في مزهريّة(1) من الفخار قرب النافذة)‏

إوسوبيو : أفضّل أن أعيش بسلام مع الاثنتين مادام ذلك ممكناً.‏

ماتيلده : أسلوب رديء يا إوسوبيو. من يذهبْ باتجاه اليمين، يقذفه بالحجارة أصحاب الشمال؛ ومن يتّجه صوب اليسار يقذفه بالحجارة أصحاب اليمين. ومن يقف في الوسط يُرجم من الجهتين معاً.‏

إوسوبيو : هذا ما كان يقوله السيد، هذه مأساة عصرنا.‏

ماتيلده : على ذكر الحجارة، لماذا تعصب رأسك؟‏

إوسوبيو : ينزع المنديل) أمر بسيط. إنها الأنسة أنخلينا.‏

ماتيلده : عجباً‍! أرمتك أختي بحجر؟‏

إوسوبيو : بل أسقطت أصيصاً فوق رأسي من الشرفة.‏

ماتيلده : يا لها من طفلة!. كانت المسكينة عصبيّة دائماً إلى حدٍ ما. لكنها بوصول هذه الآنسة صارت لا تطاق.‏

إوسوبيو : لو كنتُ مكانك لما تركتها وحيدة في يوم كهذا اليوم. أوّلاً: تركت ماء الحمّام يجري حتى أغرق الدرج، ثمّ وضعت المايونيز في علف الدجاج... تُسمع في الداخل دندنة جد خافتة بفالس: "غابات فيينا".) والآن، ألا يذكّرك بشيء ما هذا الفالس؟‏

ماتيلده : إنه شتراوسي لحن فيه قدر من النشاز لكنه شتراوس هل من شيء خاص فيه؟‏

أوسوبيو : رائحة قويّة تشي بالكارثة. فيوم صعدت لتربط ساعة الحائط في غرفة الطعام، سقطت الساعة فوقها. ماذا كانت تغنّي؟ شتراوس. وحين ألقت باروداً أسود في المدفأة ظناً منها أنه فحم؟ شتراوس.‏

ماتيلده : قلقة على نحو مشروع) لكن، أين تريد أن ينتهي بها المطاف؟ ماذا تعمل الآن الأنسة أنخلينا؟‏

إوسوبيو : قلت إنها تنظّف الأواني القديمة.‏

ماتيلده : الأواني الإيزابيليّة؟ يا إلَهي! تصيح بعصبية) أنخلينا! تسمع في الداخل قرقعة آنية. تسدّ ماتيلده أذنيها.) أبقي شيء سليماً؟‏

أنخلينا : أهدئي يا عزيزتي. لا شيء إلا الخوف.‏

ماتيلده : أليست الآنية الإيزابيلية؟‏

أنخلينا : بل الآنية الفضية. سأجمعها خلال لحظة واحدة وأضعها في الخزانة.‏

ماتيلده : مع الآنية البلّورية؟ كلا! من فضلك لا تلمسي اليوم شيئاً. اخرجي رافعة يديك إلى الأعلى! أنخلينا تغلق الباب) وأنتَ، هيا إلى المحطة فوراً. أتتذكر الاسم؟‏

إوسوبيو : دكتورة مرغريتا لوخان.‏

ماتيلده : اهتمّ بها كأنها أنا نفسي. لكن، إن سألتك سؤالاً حساساً، أنت تعلم: سكوت مطلق.‏

إوسوبيو : "لا تهتمّي. السكوت هو الشيء الوحيد الذي أتقنه. تعلمته من السيد، يخرج بعد قليل تسمع أجراس عربة خيل تبتعد. تدخل أنخلينا. تلبس الآن ودائماً ما تلبسه أختها تماماً)‏

ماتيلده وأنخلينا‏

ماتيلده : لكن، أنخلينا، يابنيتي، متى ستتعلمين ضبط أعصابك؟‏

أنخلينا : إنهما هاتان اليدان السعيدتان حين أغضب لا أدري ماذا يجري لي. أحسّ كأنّهما امتلأتا بالنمال.‏

ماتيلده : ها هو مشغل التريكو، فهوبالنسبة إليك مهدّى‏

أنخلينا : هذه المرّة "لا أعتقد" فالأمر أخطر مما ينبغي تجلس وتنسج بعصبيّة)‏

ماتيلده : المنتظر دائماً، أشد رهبة من الواصل انسجي وفكري بشيء آخر.‏

أنخلينا : لا أستطيع يا ماتيلده، لا أستطيع كل دقيقة تمرّ هي أسوأ مما قبلها. تترك الشغل) أتدرين ماذا سيحدث حين تصل هذه الفتاة البائسة، وتعلم سبب استدعائنا لها؟‏

ماتيلده : دون تهويل. أولاً. هي ليست فتاة بائسة، بل دكتورة وتعرف الحياة. وثانياً، ما ستلقاه هنا يمكن أن يكون غريباً، لكنه ليس مخجلاً وليس فيه ما يثير الفزع.‏

أنخلينا : آه أتتخيلين أنها ستظل هادئة وكأن الأمر طبيعي جداً؟‏

ماتيلده : لم أقل هذا أيضاً. واضح أن الشعور الأول سيكون شعوراً بالخوف، بل قد تحاول الخروج راكضة، لكن القلب سيفرض في النهاية وجوده. حينئذ ستكون مستعدة لكل شيء.‏

أنخلينا : هذه أوهامك. أقسم لك، ما إن تعلم الحقيقة حتى تترك هذا البيت خلال دقيقة واحدة.‏

ماتيلده : واضح أنّك لا تعرفينها جيّداً.‏

أنخلينا : وأنت، أتعرفينها؟‏

ماتيلده : تكفيني رسالتها فيها يتبيّن أنها ذات روح قويّة.‏

أنخلينا : الآخرون كانوا أيضاً أثرياء، ودكاترة. لكن أحداً منهم لم يصمد أسبوعاً واحداً.‏

ماتيلده : الآخرون كانوا رجالاً مساكين. أما هذه فامرأة.‏

أنخلينا : أسوأ إنها لمؤامرة غير لائقة، إنْ نأتي بها مخدوعة هكذا دون أن ننذرها بالخطر‏

ماتيلده : كفاك! اتخذت قراري، ولا أقبل مناقشات.‏

أنخلينا : ألا يحقّ لي أن أبدي رأيي؟‏

ماتيلده : أنت الأخت الصغرى.‏

أنخلينا : صغرى؟‏

ماتيلده : أصغر منّي.‏

أنخلينا : لا أزال كذلك؟ كان هذا مقبولاً أيام المدرسة حين كنتُ في التاسعة. وأنت في الرابعة عشرة لكن، ما هي خمسة أعوام في سنّنا المتقدّمة؟‏

ماتيلده : دون أن تنثني)، ولو كانت خمس دقائق! أنا الأخت الكبرى؛ ولا يوجد ما يكفي من العدس في الدنيا لشراء حقّي في أولويته الابن البكر.(2)‏

أنخلينا : تنهض وترفع صوتها في محاولة تمرّد) أتطلعين عليّ الآن بالأناجيل؟‏

ماتيلده : أقوى من صوت أختها) إنه العهد القديم.‏

أنخلينا : آه!... إذاً، لا بأس! تجلس وتنسج من جديد. تعود ماتيلده إلى لهجتها الطبيعية.)‏

ماتيلده : المسألة ليست مسألة سنين فقط! بإضافة إلى العمر، هناك التجربة لصالحي أنت آنسة.‏

أنخلينا : وأنت، ألست كذلك؟‏

ماتيلده : أنا أيضاً، لكن بشكل آخر أمام الله وأمام القانون، أنا سيّدة ولي شريك شرعي.‏

أنخلينا : باه ! زواج بالإمكان. لكن البحر كان يفصل بينكما. مات العريس بعد ثمانية أيام دون أن يحظى؟ برؤيتك مرّة واحدة. إذا كنت تسمين هذا تجربة..‏

ماتيلده : لمَ لا؟ إذا كان خطيبي لم يترك لي تجربة في الزواج، فقد ترك لي على الأقلّ تجربة في الترمّل.‏

أنخلينا : ودخلاً جميلاً تتعزّين به. من جهة الزواج كان كارثة. أما من جهة التجارة... أسبوع واحد من الحزن وأربعون عاماً من السرور.‏

ماتيلده : أنخلينا!‏

أنخلينا : معذرة تنسج. صمت قصير يسمع في غرفة الطعام دقة جرس. أنخلينا تنظر فزعة نحو الداخل، وتنسج بمزيد من السرعة) العاشرة والنصف! إنها الدقائق العشر الأخيرة الهادئة. خلال زمن قصير: ثرارام، ثرارام، بام! بام!‏

ماتيلده : بأغلى ما تحبيّن الذنب ليس ذنب شتراوس. ألا تريدين أن تتخلّي عنه مرّة واحدة؟‏

أنخلينا : وأنت، ألا تستطيعين أن تتراجعي مرة واحدة فقط؟ فكري بهذه المرأة البائسة!‏

ماتيلده : إني أفكّر تحديداً! تخرج رسالة من صدرها وتضع نظارتها) هنا تجدينها بالكامل أمامك: إرادة لا تنثني، وعاطفة سمحة، وطفولة مأساوية وميل للتحرّر دون خوف من أي خطر. حقاً، هي الشخص الذي كنّا نفتقر إليه!‏

أنخلينا : لكن، من أين تستخرجين ذلك كله؟ لقد قرأت هذه الرسالة عشرين مرة، فلا أذكر أني وجدت فيها شيئاً مشابهاً.‏

ماتيلده : أنت ترين ما تقوله الكلمات فقط. المهمّ ما تقوله الحروف.‏

أنخلينا : آه! حقاً: معرفة الشخص من قراءة خطّه، مرة أخرى!‏

ماتيلده : لا تقولي ذلك بهذه اللهجة المتعالية: قراءة الخط علم.‏

أنخلينا : أحقاً؟ أريني: أين الإرادة؟ تدع شغلها وتدرسان الرسالة معاً)‏

ماتيلده : هنا انظري إلى هذه السطور التي ترتفع في نهايتها كالعاصفة.‏

أنخلينا : على الأرجح، كانت تطوي الورقة حين الكتابة. وأين السماح؟‏

ماتيلده : انظري بإمعان إلى هذا التباعد بين الخطوط. امرأة تكتب على هذا الشكل، هي من النوع الذي يعطي كل ما عنده. كل شيء أولا شيء.‏

أنخلينا : وهذا الحرف المنحني أيعني لك شيئاً أيضاً؟‏

ماتيلده : ثلاثون درجة إلى اليمين. إنها العاطفة. كل منطقة الأنا) تتدّفق باتجاه منطقة الأنت.‏

أنخلينا : حسب هذه النظرة، هذا جميل حقاً. لكنه قد يكون خطراً في هذه الحالة.‏

ماتيلده : لا تخشي شيئاً. مهما تكن العاطفة قوية، روح التضحية أقوى منها. فلو حُكم عليها بأن يلقى بها في حفرة الأسود، لوجدتها غير هيّابة ولو مُزقت إرباً إرباً.‏

أنخلينا : متأثرة) فهمت. "فابيولا وشهداء المسيحية."‏

ماتيلده : بالضبط.‏

أنخلينا : أما ما لا أراد في أي مكان فهو مأساة الطفولة.‏

ماتيلده : لكن، هل أنت عمياء؟ ألا ترين هذه الحروف المنقسمة إلى شطرين؟ أبواها مطلّقان؛ حياتها كلها كانت صراعاً يمزّقها بين حبها لأبيها وحبها لأمها.‏

أنخلينا : لكن هذا رهيب، يا ماتيلده!‏

ماتيلده : رهيب، يا أنخلينا! أتفهمين الآن لماذا اخترتها دون سواها؟ امرأة من هذا النوع يمكنها وحدها إنقاذ هذا البيت.‏

أنخلينا : وماذا لو أخطأت في قراءة خطّها؟‏

ماتيلده : مستحيل. انظري إلى هذا التوقيع الضخم دون تذييل.:"مارغريتا" انظري مليّاً إلى قائمة حرف T) كأنها عصا وانظري إلى هذه النقطة فوق I) كيف هي عالية كالصلاة. إذا كنت لاأعرف شيئاً عن هذه المرأة، فسوف أكتفي بهذه القائمة وهذه النقطة كي أسلّمها زمام أمري ونا مغمضة العينين.‏

أنخلينا : متنهّدة) أسأل الله ألا نندم!‏

ماتيلده : أتشكيّن بي؟‏

أنخلينا : أتذكّر حين كنتِ تقرئين بخطوط كفّي. كنت تشخّصين لي دائماً زواجاً سعيداً، وبيتاً ملآن بالأبناء، وحياة مفعمة بالأسفار. وانظري النتيجة: لا سفراً واحداً قمت به؛ ثم من يكاد يكون ابن أخ؛ وها أنا عانس منذ البداية وإلى الأبد الأبدين.‏

ماتيلده : جادة. ترفع نظارتها، وتحفظ الرسالة) أنا لم أخطئ أبداً خطوط كفّك هي التي أخطأت.‏

يدخل السيد رولدان مدير أعمال البيت. ثعلب محترف، تعلوه صفرة أصحاب الملفّات والأوراق.)‏

ماتيلده، أنخلينا ورولدان‏

رولدان : ضوضاء كبيرة) هذا غير ممكن. هذا غير ممكن. هذا غير ممكن. قولا لي هذا غير ممكن.‏

ماتيلده : عدائية منذ اللحظة الأولى) لا أعلم إلى ما تشير. لكن، إن كان يبدو لك الأمر مستحيلاً، فاطمئنّ إلى أنه حقيقي.‏

رولدان : إذاً، الأمر مؤكد؟ امرأة مجهولة تدخل هذا البيت؟‏

أنخلينا : ولا تبالِ. أختي تعرفها كانت زميلتها في المدرسة.‏

رولدان : لكن، هل فقدتما الحسّ بالمسؤولية؟ أنبّهكما أحد إلى وضع هذه السيّدة؟‏

ماتيلده : آنسة!‏

رولدان : آنسة؟ آه، الفضيحة إذاً، أسوأ بكثير، أيبدو لكما لائق أن تعرضا شيئاً كهذا على آنسة؟‏

ماتيلده : لا أظن أنك ستلقي علينا دروساً في الأخلاق.‏

رولدان : دروس في الأخلاق، كلا! لكن، لو استشر ثماني لأسديت لكما نصيحة ثمينة.‏

ماتيلده : عبث. هذا شأن عائلي: أنت مدير أعمال فقط. منذ الآن، كل واحد في موضعه.‏

أنخلينا : أحسنت، يا ماتيلده!‏

ماتيلده : شكراً يا أنخلينا.‏

رولدان : يتراجع) لا بأس! أهي على الأقل امرأة محترمة؟‏

أنخلينا : هذا يتوقف على ما تسميه أنت احتراماً.‏

رولدان : عمرها، مثلاً.‏

ماتيلده : من هذه الجهة، نحن أكبر سناً منها‏

رولدان : تجربة مهنية؟‏

ماتيلده : هي دكتورة بأربعة ألقاب.‏

رولدان : قوة الطبع، قوة الإرادة؟‏

أنخلينا : لو أطلّعت جيّداً على خط حرف T لما تفوهت بالحماقات.‏

ماتيلده : أحسنتِ جداً، يا أنخلينا!‏

رولدان : إني أرى ما أراه دائماً. أنتما لا تتفقان على شيء إلا عليّ. لكن، حين يتعلّق الأمر بحياة إنسان، فهذا ما لا يمكن اللعب به. هذه الحالة تتطلّب عقد مجلس العائلة.‏

ماتيلده : مجلس العائلة عُقد، وتمّت الموافقة بالأكثرية.‏

رولدان : أي مجلس؟‏

ماتيلده : نحن الاثنتان، حين نتناقش أنا وأختي، الأكثرية تصوّت لي.‏

رولدان : آخر الأمر، هذا شأنكما! كما أرى، الجنون في هذا البيت مرض معدٍ.‏

أنخلينا : قافزة) حذار هنا، ماذا تعني بهذه الكلمات الملنوية؟‏

ماتيلده : تعمل عمل أختها) أتريد أن تلمح إلى أن أخانا مات مجنوناً؟‏

رولدان : يتراجع) لست من يستطيع إثبات ذلك. لكنني لا أظنّ إنساناً طبيعياً يمكن أن يصنع بابنه ما صنعه هو.‏

ماتيلده : تتقدّم بحزم) كفى إذا كان أخي عانى ماعاناه، فأنت خير من يعلم من كان السبب. هل أنا بحاجة لأذكرك باسم تلك المرأة؟‏

أنخلينا : من فضلك، دعينا من الحكايات القديمة. ما يهمّنا الآن فقط هو هذا الطفل البريء.‏

ماتيلده : وهو كذلك ! الطفل ابننا؛ ولا أسمح لأحد أن يتدخل في حياته أكثر منّا.‏

رولدان : وأنا. أليس لي أيّ حق؟ أولاً وأخيراً، إن كنتما أختي الأب، فأنا أخ الأم.‏

ماتيلده : حاسمة) ولا كلمة أخرى! العائلة الوحيدة هنا هي عائلتنا. أتسمع جيّداً؟ عائلتنا بحقد) مهما يكن مؤلماً لك، يُفضل عدم التحدّث عن عائلة الأم. مفهوم؟‏

رولدان : منكمشاً) مفهوم لديكما هنا برميل من البارود. والآن تجهدان في جلب عود ثقاب قريباً منه. عظيم! من جهتي، أنا أغسل يدي من هذا الأمر.‏

ماتيلده : بجفاف) بذلك تحسن صنعاً مدير أعمال ويداه ملوّثتان، ليس أمراً سليماً.‏

رولدان : لحظة يا سيدي! لا أقبل الغمز، كلا ! حساباتي نظيفة، وهي تحت تصرّفك!‏

تسمع أجراس تقترب)‏

أنخلينا : سكوت... عود الثقاب! أعني العربة.‏

رولدان : أهي؟‏

أنخلينا : هي. تنسج بسرعة)‏

رولدان : في هذه الحالة، افترض أن وجودي غير مفيد بتاتاً. أليس كذلك؟‏

ماتيلده : أهنّئك. هي أعظم فكرة أبدعتها خلال الأربعين عاماً الأخيرة.‏

رولدان : أشكرك. لطفك ضاف دائماً. الأجراس تزداد اقتراباً)‏

أنخلينا : أأستطيع الانسحاب أنا أيضاً؟‏

ماتيلده : أنتِ، أبداً! جاءت اللحظة الكبرى! تمدّ قبضتها باتجاه الباب الحديدي، وترفع بصرها إلى السماء) إلهي لتكن إرادتك تلتفت بعنف إلى أختها التي ضاعت مرة أخرى في "غابات فيينا") دون موسيقى، يا أنخلينا! توقفي! تتوقف الأجراس أمام الباب يدخل أوسوبيو حاملاً الأمتعة ومتقدّماً مرغريتا: هي فتاة جامعية ذات جمال غضّ تلبس بأبسط أناقة طبيعية، بالتأكيد قرأت كتباً كثيرة، ولا تجربة لها في الحياة لكنها تملك من الذكاء ما يكفي لكيلا يُلحظ عليها بوضوح أي من الحالتين).‏

المذكورون ومرغريتا وإوسوبيو.‏

إوسوبيو : مشيراً على شكل غامض) السيدة... السيدة الأخرى... السيد.‏

مارغا : صباح الخير جميعاً.‏

ماتيلده : أهلاً بك في هذا المنزل، يا آنسة لوخان. أختي أنخلينا.‏

مارغا : تشرّفت.‏

ماتيلده : السيد رولدان. مدير أعمال البيت.‏

رولدان : بكل سرور.‏

ماتيلده : أما أنا، فأرى عبثاً تقديم نفسي. أتسمحين لي أن أنظر إليك عن قرب شديد.‏

مارغا : ولِمَ لا ؟ تتقدم. ماتيلده تضع نظارتها وتتأملها طويلاً بصمت. تقطب حاجبيها .)‏

ماتيلده : غريب! منذ اسبوع وأنا بانتظارك لم أتخيلك أبداً هكذا .‏

مارغا : هكذا، كيف؟‏

ماتيلده : هكذا... على جانب كبير من الشباب والجاذبية... أنت فتاة حقيقية.‏

مارغا : هذا لطف منك، على كل حال ، أمل ألا يكون هذا عائقاً لي في عملي.‏

ماتيلده : من يدري! كنت أتخيلك أيضاً نشيطة وذات إرادة. لكن ليس على هذا القدر الكبير.‏

مارغا : معذرة! هل قمت بشيء مستهجن؟‏

ماتيلده : كنت أنظر إليك مواجهة بكل قواي، ولم أستطع أن أجعلك تغضّين من بصرك لحظة واحدة.‏

مارغا : هذه مأثرة أنت جديرة بها يا سيدتي. كنت تنظرين في عيني وأنا كنت أنظر في عينيك. ولم أجد فيهما إلا قلباً كبيراً.‏

ماتيلده : شكراً. أتريدين أن تمدي لي يدك؟‏

مارغا : بكل سرور. تشدّ عليها).‏

ماتيلده : لا بأس! ربما كنتِ قوية قليلاً. لكن الأمر ليس سيئاً تبتسم أخيراً) يبدو لي أننا سنكون صديقتين رائعين.‏

مارغا : من جهتي، بدءاً من هذه الساعة.‏

أنخلينا : لأوسوبيو الذي يقف ساكتاً) ماذا نتظر؟ لماذا لا تصعد بمتاع الأنسة؟‏

أوسوبيو : ظننت أنْ لالزوم لذلك. أم الأفضل ألا أظل ساكناً. فلأي شيء أسير صاعداً نازلاً؟‏

ماتيلده : أطلب أحد رأيك؟ اصعد به فوراً!‏

إوسوبيو : اعذروني. يدخل البيت مع المتاع)‏

رولدان : لعلّ إوسوبيو على حق. دبلوماسياً، بدأ المشهد بداية حسنة جداً. لكن يسرّني أن أرى النهاية.‏

ماتيلده : لا أفكر أن أضحك هذا السرور. أليس لديك شيء عاجل تعمله في مكتبك؟‏

رولدان : اسمحن لي بنصيحة على الأقل. ينظر إلى ساعته) أنسة لوخان إنها الحادية عشرة إلا خمس دقائق. في الحادية عشرة وأربعين دقيقة يمرّ قطار العودة لا تتواني عن السفر فيه. يخرج بأكبر جد ممكن من اليمين حيث يفترض وجود جناح. مرغريتا تنظر إليه يخرج مدهوشة)‏

مارغا : لا يبدو السيد المدير متفائلاً جداً.‏

ماتيلده : لا ينبغي الاهتمام به. هو من هؤلاء الذين، لفرط عملهم في الأعداد، يظنون أن اثنين زائد اثنين في الحياة، هي دائماً أربعة. رجل مسكين! أتريدين أن تجلسي؟‏

مارغا : إن لم يبد لكما مسيئاً، يسرني أن أتعرف على الطفل أولاً.‏

ماتيلده : بعدئذ. ينبغي أن أطرح عليك أسئلة، ربما بدت لك غريبة، لكن. أرجو أن تجيبيني دون تردد.‏

مارغا : قولي. تجلس العمتان أولاً، ثم مارغا قبالتهما كأنهما في امتحان تخرج ماتيلده الرسالة وتنظر إلى مرغريتا بتركيز.)‏

ماتيلده : من تجبيّن أكثر. أباك أم أمك؟‏

مارغا : كيف؟‏

ماتيلده : أجيبي دون أن تفكري بذلك.‏

مارغا : في الواقع هذه مسألة لم أطرحها على نفسي أبداً.‏

أنخلينا : أبداً؟ ولا حين افترقا بالطلاق؟‏

مارغا : لكن، من ذكر الطلاق؟ أبواي أحبّا بعضهما بشغف، وماتا معاً حين كنت صغيرة.‏

ماتيلده : غير ممكن!‏

مارغا : بإمكاي أن أحلف على ذلك.‏

أنخلينا : لا حاجة لذلك، كلمتك تكفي.‏

ماتيلده : لا أفهم الخطأ هنا. لكن لنقبل به. سؤال آخر هام. لو أنك عشت في ظل امبراطورية نيرون، وحُكم عليك بأن يلقى بك بين الأسود، ماذا يكون موقفك؟‏

مارغا : لا أفهم... أهي لعبة؟‏

أنخلينا : أجيبي، من فضلك.‏

ماتيلده : تخيّلي المشهد: هنا المدرج الوثني المتعطّش للدم المسيحي.‏

أنخلينا : وأنت هنا راكعة على الرمل بحلّتك البيضاء..‏

ماتيلده : وتُفتح الأبواب... وتتقدم الأسود. وماذا كنت ستفعلين؟‏

مارغا : لا أدري... افترض ما كنتما ستفعلانه أنتما في هذه الحالة.‏

ماتيلده : بحماسة شهيد) ما أحسن قولك!‏

مارغا : كنت سأجري وأنا أصرخ كمجنونة. أليس كذلك؟‏

ماتيلده : تقف مُهانة) لا، هذا لا ! لا يحق لك أن تفعلي بي هكذا يا أنسة.‏

مارغا : تنهض قلقة أيضاً) معذرة يا سيدتي. أخذت أشتبه بوجود سوء فهم. أأنت السيدة ماتيلده َسلْدانيا؟‏

ماتيلده : هي نفسها.‏

مارغا : المرأة التي كتبت لي عارضة عليّ عملاً في هذا البيت؟‏

ماتيلده : بالضبط. وهذا هو جوابك!‏

مارغا : إذاً، لماذا هذه الأسئلة المستحيلة؟ جئت إلى هنا بمهمة الاضطلاع بتربية طفل يتيم أليس كذلك؟‏

أنخلينا : وهو كذلك.‏

مارغا : أين الطفل؟‏

ماتيلده : سيأتي بعد قليل. صعد إلى الجبل حاملاً بندقيته.‏

مارغا : تقف مذعورة) حاملاً بندقية؟ وحده؟‏

أنخلينا : برفقة برنار وفيرمين.‏

مارغا : لا بأس عليه هكذا. خادمان؟‏

أنخلينا : بل كلبان.‏

مارغا : لكن هذا غير ممكن. هل صرت أنا مجنونة؟ تنظر إلى الجانبين وتتراجع) أم أنتما؟‏

ماتيلده : اهدئي... ولا نحن!‏

مارغا : أيبدو لكما حسناً أن تدعا طفلاً يحمل بندقية ؟‏

ماتيلده : أبوه كان صيّاداً كبيراً، وقد عوّده على استعمال البارود منذ نعومة أظفاره. من هذه الجهة لا يوجد خطر.‏

أنخلينا : الخطورة بدأت منذ صاريتيماً. عليكِ أن تساعدينا على إنقاذ هذه الحياة البريئة.‏

مارغا : إنقاذ حياته؟ لكن لست دكتورة في الطب؛ أنا مجرد معلّمة.‏

ماتيلده : من هنا يجب أن نبدأ. أولاً يجب تعليمه القراءة والكتابة. ثم تأتي الكتب. وبعد ذلك كلّ هذا اللغز الذي نسميه الحياة.‏

مارغا : أهو متخلف إلى هذا الحد؟‏

أنخلينا : إنه صفحة بيضاء. نشأ في الجبل. هو مانسمّيه طفلاً طبيعيّاً. أتفهمين؟‏

مارغا تهدأ. وتعود فتجلس)‏

مارغا : أفهم يا سيدتي، أفهم. الآن، فهمت سبب هذا الانزواء في الريف والانطواء على سر. طفل طبيعي! أهو ابنك؟‏

أنخلينا : تحمرّ خجلاً) أنا أنسة!‏

مارغا : معذرة. ابنك؟‏

ماتيلده : ولا هو ابني. إني وإن كنت أرمل، فأنا أنسة أيضاً.‏

مارغا : لا أفهم!‏

أنخلينا : هي أمور الحياة. أختي تزوّجت لثمانية أيام. لكنها لم تمارس الزواج.‏

مارغا : باختصاره أيمكنني أن أعرف ابن من هذا الابن الطبيعي؟‏

ماتيلده : ومن قال لك إنه ابن طبيعي؟‏

مارغا : إن لم يكن فهمي قاصراً، أنتما هذه الساعة ذاتها.‏

ماتيلده : أختي قالت "طبيعي" كمقابل لـ "صنعي" طبيعي يعني ثمرة الطبيعة. واضح؟‏

مارغا : نافذة الصبر) موافقة يا سيدتي. لكن مهما يكن طبيعياً، فلم تعثروا عليه في شجرة. لا بد من أنه كان له أب وأم.‏

أنخلينا : أي، نعم! أبوه كان أخانا المسكين.‏

مارغا : والأم؟‏

ماتيلده : أمن الضروري أن نتحدّث عنها؟‏

مارغا : كلا! إن كنتما تفضلان السكوت. أميتة هي أيضاً؟‏

ماتيلده : ميتة أيضاً. إذ توّلى البحر أمر عقابها.‏

أنخلينا : إنه مؤلم؛ لكن يجب ألا نخفي عنك ذلك. كانت امرأة منحطّة.‏

مارغا : كفى! أنا أعرف كيف أحترم أسرار العائلة.‏

ماتيلده : شكراً.‏

مارغا : وما مشكلة الطفل التي تشغلكما؟‏

أنخلينا : أولاً، سبق أن قلنا لك ذلك: الجهل التام.‏

مارغا : نعم، نعم. أعرف قراءة وكتابةن ثم كتب. حتى هنا كل شيء عادي وبعدئذ؟‏

ماتيلده : بعدئذ، الطبع. لا تتخيلي ذلك! هو عاصٍ وخطر كالشيطان نفسه. إنه متمرّد.‏

مارغا : لا يهم. أنا معتادة على هذا. أكان له معلّمون قبلي؟‏

أنخلينا : ثلاثة رجال، ثلاثة إخفاقات.‏

ماتيلده : الأول حاول ترويضه باللطف. لكنه ترك العمل بعد أربعة أيام. والثاني أراد أن يستميله بالعقل ومكث أسبوعاً.‏

أنخلينا : والثالث جهد في السيطرة عليه بالقوّة. وهنا بدأت المأساة. أترين تلك النافذة في ذلك الجناح؟ من هناك ألقى به.‏

مارغا : لا أستطيع تصديق ذلك. أرمى الأستاذ بالطفل من النافذة؟‏

أنخلينا : بل الطفل رمى بالأستاذ.‏

مارغا : لحظة ! لحظة! أخذت أحس بالدوار. إذاً، رمى الطفل بأستاذه من تلك النافذة... لكن، كم عمر هذا المخلوق؟‏

ماتيلده : على شكل طبيعي) أربعة وعشرون عاماً.‏

مارغا : تنهض بوثبة واحدة) ماذا؟ تطبق جفنيها، وتسمح عينيها بيدها، مسيطرة على نفسها.) معذرة يا آنستي! أظن أنني لم أسمعك جيداً. هل قلت أربعة أعوام؟‏

ماتيلده : أربعة وعشرون. مارغريتا تترنح لحظة، وتستند على مسند كرسي.)‏

أنخلينا : تارارام. تارارام. بام. بام.‏

مارغا : أخيراً تبدي ردّ فعلها) أمن أجل هذا أتيتم بي؟ تنظر إلى ساعتها بسرعة) في أية ساعة قال مدير الأعمال أن قطار العودة يمر؟‏

ماتيلده : لا تتركينا على هذا الوضع.‏

أنخلينا : اسمعي بحق كل ما تحبين.‏

مارغا : أيبدو لكما أنني لم أسمع ما يكفيني؟ هذه مزحة لا تغتفر. تصرخ) آتني بأمتعتي وفوراً! تحيط بها الأختان متوسّلتين)‏

ماتيلده : انتظري على الأقل، حتى تتعرّفي عليه قبل أن تقرّري.‏

مارغا : ولأي شيء؟ ماذا يمكن لرجل كامل الرجولة لا يعرف القراءة والكتابة أن يكون مريض، أم متخلف عقلياً؟‏

(1) -حسب المعجم الوسيط. "وعاء من خزف ونحوه يوضع فيه الزهور ونحوه الزينة.‏

(2) -إشارة إلى قصة عيسو وأخيه يعقوب وأم هذا الأخير رفقة، حين احتالا عليه للتخلي عن حقه في أولوية الابن البكر بإطعامه عدساً حين كان جائعا جوعاً شرساً -المترجم)‏
الــفـصل الـثاني

داخل البيت، في زمن لاحق. في العمق رواق من البلور يطل على الحديقة، يقابل مدخل البيت في الفصل الأول منظوراً إليه من الداخل في الجانب الأيمن مطلع سلّم له درابزون من قضبان خشبيّة ثخينة، وفي القسم الأول منه مدخنة من الحجر مع أدوات نحاسية.‏

في الجانب الأيسر: باب في القسم الأول، ودهليز في القسم الثاني. أخشاب ذات لون مخضرّ لامع، ومخامل حمر، البيت كله يوحي بخشونة الأب الريفية، تخفّف منها المطرّزات والستائر والسجّاد المعلق على الجدران، ولطف العمتين.‏

إنها الساعات الأخيرة من مساء خريفي. العمة أنخلينا تجلس إلى منضدة طافحة بالكتب، والمجسمات الهندسية، ومخططات بالفحم، تراجع مسحورة رسوماً ودفاتر وهي تستمع إلى السيد رولدان بهدوء محبّب كأنها تسمع سقوط المطر. السيد رولدان يتمشى مضطرباً وهو يصرخ.‏



أنخلينا ورولدان.‏

رولدان : أوه! أنا لا أوافق على هذا!! إلى هنا تصل بنا الأمور؟ يستطيع المرء أن يتفهّم بعض الأشياء ويجدلها عذراً. لكن طفح الكيل. ولتحمّل هذا كله أحتاج إلى كل صبر راهب فرنسيسكاني. وأنا ليست عندي نزعة الاستشهاد أتسمعينني؟‏

أنخلينا : بتهذيب) أنا مسرورة جداً. أظنك وقعت في ورطة صغيرة مع الأخوة البندكيتين والفرنسيسكانيين والشهداء لكنني متساهلة جداً في الأمور الدينية. تابع! تابع! تتناول دفتراً آخر)‏

رولدان : إذا كان رأيي لم يعدله وزن في هذا البيت، فيجب عليّ أن أقدّم استقالتي. أيوجد مخرج آخر لإنقاذ كرامة مهانة؟ لا يوجد إلا الاستقالة.‏

أنخلينا : نعم، يا سيد، هذا جيد جداً!‏

رولدان : آنسة انخلينا، أتسمعينني نعم أم لا؟‏

أنخلينا : معذرة، أكنت تقول...؟‏

رولدان : كان عليّ أن أتخيّل ذلك، منذ نصف ساعة وأنا أقدم لك استقالتي لكن، لأي شيء؟ حين تنظرين في دفاتر "طفلك"، حتى انفجار غاز لن يلفت انتباهك.‏

أنخلينا : تتنبّه لحظة) ماذا تقول لي؟ أحصل في البيت انفجار غاز؟‏

رولدان : حتى الآن، لا. لكن، إن ظلت الأمور على ما هي عليه، فلن أستغرب أن يحصل ذلك ذات يوم.‏

أنخلينا : لا بأس عليك، لا بأس. لا ضرورة للمبالغة فقد يكون بابلو أشدّ تمرّداً مما تريد، لكنك لن تنكر أنه فتى مدهش.‏

رولدان : أيبدو لك مدهشاً أن يدخل مكتبي على متن حصانه؟‏

أنخلينا : غير معقول... إنه شيطان؟‏

رولدان : أتبدو لك طريقة صحيحة أن يناديني بقذف نافذتي بالحصى وقت القيلولة؟ لم يبقَ لوح بلور واحد سليماً في الجناح كله.‏

أنخلينا : أحقاً؟ ما أروعه! عليك أن تفهمه، هي كل ما لم يستطع تحقيقه حين كان صغيراً وبقيت راقدة في داخله. أنت نفسك: أما كنت ترمي الزجاج بالحصى حين كنت صغيراً؟‏

رولدان : ممكن يا سيدتي لكنني حين كنت صغيراً، ولم يكن عمري خمسة وعشرين عاماً. وليت الأمر اقتصر على البلّور.‏

أنخلينا : أهناك شيء آخر؟‏

رولدان : كل شيء. هذا الصراخ الجبلي كصراخ الراعي. وسوء تقديره للأشخاص العقلاءن خاصة هذه الطريقة الرهيبة بقوله دائماً كل ما يفكر به.‏

أنخلينا : هذا صحيح. وهو عيب عنده لم نجد وسيلة لإصلاحه، ولم نستطع ثنيه ليقول "السيد المدير" حين يجري ذكرك. يقول دائماً "هذا الثعلب العجوز."‏

رولدان : أهذا جزائي؟ لماذا هذا الحقد عليّ؟‏

أنخلينا : مستغرفة في دفترها) مدهش!‏

رولدان : أهذا ما يبدو لك؟‏

أنخلينا : مدهش بالأمور التي تحدث له وأسلوبه الخاص بالتعبير عنها، وهذا الحرف، أأمعنت النظر إليه؟ يشبه خطها لكنه مكتوب بيد رجل. قل لي: أوروبا: أتكتب بحرف صغير؟‏

رولدان : بل بحرف كبير.‏

أنخلينا : كنت أخشى ذلك وأمريكا أيضاً. أليس كذلك؟‏

رولدان : بالطبع! ولم ينبغي أن تكون أمريكا أقل من أوروبا؟‏

أنخلينا : طريف! كل الأشياء الكبيرة يبدؤها بحروف صغيرة. وعلى العكس من ذلك، كلمة امرأة يبدؤها دائماً بحرف كبير، أخطر ببالك ماذا يعني ذلك؟‏

رولدان : كيف لا: ثلاثة أخطاء كتابية.‏

أنخلينا : أخطاء كتابية، ربما لكن يا لها من أناقة طبيعية!‏

رولدان : هذا ما ينقصني أن أسمعه! أتعدّين هذه الخربشات مثلاً للأناقة. أتظنّين أنه يمكن بهذه الطريقة أن يظهر في المجتمع؟‏

أنخلينا : لدينا مزيد من الوقت. ما يهمّنا الآن الروح. "الأناقة" تأتي فيما بعد.‏

رولدان : يعني: أتبدو لك جيّدة هذه القريبة التي تقدم له دائماً وفق نزواته؟‏

أنخلينا : ولمَ لا؟ إن كان سعيداً بذلك. ألست موافقاً على منهج الآنسة لوخان؟ أم أن عندك شيئاً شخصيّاً ضدها؟‏

رولدان : ببساطة، أفعالها فقط، الأفعال ما يهمني، دخلت هذه الآنسة هذا البيت منذ ثمانية شهور وماذا كانت النتيجة؟ بابلو ما يزال متوحّشاً مثل أول يوم. وهي، على نقيض ذلك، تعلّمت استخدام البندقية وصيد سمك القروتشا بيدها تحت الماء، ومن يربيّ من؟‏

أنخلينا : الآنسة لوخان تعرف مهنتها، وتعلم بالضبط ما تقوم به، إذا أرادت نصيحة صادقة فلا تتدخّل بمجال غيرك، وعد إلى أرقامك.‏

رولدان : أرقامي لم تعد أرقامي أيضاً، لقد غزيت في صميم عملي.‏

أنخلينا : أغزته الآنسة؟‏

رولدان : بل هذا المتوحش. منذ زمن وهو لا يعمل شيئاً إلا تقليب أوراقي، ومراجعة مصنفاتي، وتسجّيل الملاحظات. أيمكنني أن أعرف عما يبحث؟‏

أنخلينا : تبتسم بخبث) آه! الآن صرت أفهم هذا "المتوحش" المسكين الذي تعلّم خلال ثمانية شهور ما تعلّمته أنت خلال نصف حياتك ، يسعى إلى مراجعة حساباته. وأنت بالطبع ساورك خوف شديد منه، أليس كذلك؟‏

رولدان : انظري يا سيدة. صبري ليس له حدود. لكن كرامتي، نعم، إن كنت فقدت ثقتكم فإني آسف لذلك. لكنني سأرى نفسي مضطرّاً إلى أن أقدّم الآن وفوراً وبصورة لارجعة فيها...‏

أنخلينا : نعم، نعم، أعلم: استقالتك، تتحدّث دائماً عن استقالتك إليّ لماذا لا تتحدّث بذلك إلى أختي ماتيلده؟‏

رولدان : يجفّف العرق عن جبهته النبيلة) الأمر مختلف. أختك تبغضني. هي قادرة على نسيان عشرين عاماً من التضحية في دقيقة واحدة. تدخل ماتيلده من الحديقة حاملة أزهار المستحية تنسقها في زهرية وهي تتكلم)‏

أنخلينا ورولدان وماتيلده.‏

ماتيلده : مساء الخير! مالكما، أتتشاجران كالعادة دائماً؟‏

رولدان : على العكس، الآنسة أنخلينا وأنا متفقان على كل شيء.‏

أنخلينا : على كل شيء، غير صحيح السيد رولدان لا يوافق تماماً على حصيلة تربية بابلو.‏

ماتيلده : أيبدو لك أنه تعلم قليلاً خلال ثمانية أشهر؟‏

رولدان : في الكتب تعلم كثيراً وبإفراط، لكنه اجتماعياً، أمر آخر. كيف تتخيّلينه في اجتماع سيدات أو شرفة في أوبرا؟ سيكون كحصان طليق وسط آنية من الفخار.‏

ماتيلده : حصان! أطلب إليك سحب هذه الكلمة فوراً.‏

رولدان : ليست كلمتي. إنها كلمة معلّمته ذاتها.‏

ماتيلده : الآنسة لوخان لم تقل حصاناً. بل سنتور(1)‏

رولدان : هما سيّان، في نظري، السنتور ما هو إلا حصان بالمعنى الأدبي‏

ماتيلده : لك أفكار شخصية جد أحول الميثولوجيا. وقياساً على ذلك، أتجرؤ على أن تدّعي أن حورية ليست إلا سمكة؟‏

رولدان : لا دافع عندي لتفهم الميتولوجيا لكن الناس تحدثوا عن الحوريات وحذار حذار منهن إنها أسماك خطرة. والطعم الموضوع في الشص ثروة كبيرة.‏

ماتيلده : دون كلمات غامضة. أتحسن صنعاً فتوضح لي قصة صيد السمك هذه؟‏

رولدان : ينتفض كقطّ محاصر) بكل سرور هي قصة تتضمن سؤالين: من صاحب الأمرفي هذا البيت؟ بابلو: وهو إنسان غير مسؤول. ومن يأمر من خلال بابلو؟ هي وهي امرأة لا يُعرف من أي أرض طلعت. هل أنت بحاجة لأقول لك الحكمة من ذلك؟‏

ماتيلده : عاصفة تقبض على الزهرية) الحكمة سأقولها لك أنا دون كلمات ترفع الفخارة توقفها أنخلينا مرتاعة)‏

أنخلينا : ليس بهذه يا ماتيلده. إنها إرث من جدتنا.‏

ماتيلده : هذه الفخارة كانت لجدتنا؟ تتماسك بجهد) سيد رولدان، أحمد الله على هاتين النعمتين: أنني لم أخلق رجلاً... وأن الزهرية إرث من جدتنا. يمكنك الإنصراف تتأهب لوضع الزهرية بود. يدخل إوسوبيو من الدهليز)‏

المذكورون وإوسوبيو.‏

إوسوبيو : سيدتي: السيد رولدان وصل للتوّ. إنه يغلق على العربة.‏

ماتيلده : مدهوشة) السيد رولدان؟ أي سيد رولدان؟‏

إوسوبيو : ابن أخيك.‏

ماتيلده : ابن أخي؟ أيّ ابن أخ؟‏

إوسوبيو : ابن السيد.‏

أنخلينا : فهمنا‍ السيد رولدان "الابن"، حسب تعبير الملكة فيكتوريا.‏

ماتيلده : أية ملكة فيكتوريا؟‏

أنخلينا : ملكة بريطانيا.‏

ماتيلده : آها‍! معنى ذلك أنك تسمح لنفسك بدعوة ضيوف إلى البيت دون استشارتي؟‏

رولدان : أقسم لك إني لم أكن أتوقع وصوله. كتبت له منذ فترة، لكنه كان مسافراً. وها هو أول جواب منه.‏

ماتيلده : لا بأس! على شكل فيكتوري) فليدخل، السيد رولدان الابن يخرج إوسوبيو) بوصول هذا الفرع الآخر من العائلة، افترض ألا تضفوا طابعاً حميماً على الزيارة.‏

رولدان : لا لزوم لذلك. هي ببساطة مسألة مصالح. لا تنسي أن ابني هو محامي البيت.‏

ماتيلده : مؤكد. لقد نسيت هذا التفصيل الصغير. الأب مدير، والابن محام. إذاً، اقتستما العمل على شكل استراتيجي. أليس كذلك؟ يدخل خوليورولدان. لا يزال شاباً أنيقاً. لكن بسمته واضحة الزيف)‏

ماتيلده. أنخلينا ورولدان وخوليو.‏

خوليو : رائع! بعد كل هذه الأسفار والفنادق، ما أحلا العودة إلى البيت العائلي!‏

يعانق أباه الذي كان أقربهم إليه) كيف همتك اليوم؟‏

رولدان : لا بأس، يا بني، لا بأس.‏

خوليو : عزيزتي العمة أنخلينا دائماً مبتسمة وشابة. يعانقها ويقبلها بصخب)‏

أنخلينا : شكراً يا خوليو.‏

خوليو : العمة ماتيلده! يمدّ لها يده. تسحب هي يدها بشكل ملفت للنظر)‏

ماتيلده : دون كلمة عمة. يكفي ماتيلده. والأفضل: السيدة سلّدانيا.‏

خوليو : لا زلت بأحقادك القديمة؟ لكن، إلى متى؟‏

ماتيلده : من جهتي، إلى الأبد إن أراد بابلو الإعتراف بك واحداً من أفراد العائلة، فهذا شأنه. أنا يمكن أن أتكسّر، لكنني لا أنثني.‏

أنخلينا : من فضلك، بعد كل شيء. الشابان أولاد خؤولة. فأي ذنب لهما في هذا؟‏

ماتيلده : كفى! أنت تكلّمت أكثر مما ينبغي.‏

أنخلينا : لكنني لم أتكلم سوى أربع كلمات تقريباً.‏

ماتيلده : حين تتكلّمين أربع كلمات، ثلاث منها زائدة. لخوليو) أما بشأن المجاملات فأقل حوار هو الأفضل: "أنت قمت بسفر رائع. لم تنسنا لحظة واحدة. وصحتي جيدة. وشكراً.‏

خوليو : بصراحة، ما كنت أتوقّع هذا. بوصولي ظننت أنني قادم إلى بيتي.‏

ماتيلده : هذا ما سيقوله بابلو. من جهتي، آسفة لعدم تمكني من الجلوس معكم على المائدة. لكنني واثقة أني سأصاب هذه الليلة بصداع عنيف.‏

أنخلينا : وأنا، أينبغي أن يؤلمني رأسي أيضاً؟‏

ماتيلده : أنت، سيؤلمك كبدك. ستكونين على أفضل حال، السيد المدير. السيد المحامي: "وداعاً"! هيّا بنا يا صغيرتي. تصعد بكبرياء مع أختها. خوليو ينظر إليهما تخرجان، بينما يعلّق بشكل مكتوم ويشعل سيجاره)‏

رولدان وخوليو.‏

خوليو : يا لك من أفعى مضحكة! ساحتل ذات يوم هذا البيت، وتُطردين أنت إلى الخارج. يلتفت) يبدو أن الأمور صارت صعبة هنا.‏

رولدان : أكثر مما تتخيّل أتلقّيت رسالتي؟‏

خوليو : هذا ما أدهشني. لماذا هذا الاستعجال؟ لا تقل لي إن هاتين العانستين الحمقاوين أثارتا فيك الخوف!‏

رولدان : ليستا هما. وإنما هو صار مصدر الخطر.‏

خوليو : بابلو؟ هذا المتوحّش الذي لا يعرف حتى أن يكتب اسمه؟‏

رولدان : أي، يا بنيّ! هذا كان من قبل، في الأوقات السعيدة، الآن ضع بين يديه كتاباً في القانون، وستجده في اليوم التالي قد حفظه.‏

خوليو : ليس الأمر كذلك. أتظن أنه يشتبه بشيء؟‏

رولدان : ربما. بوجود أب مجنون وابن تحوّل إلى بهيمة، كانت ثقتنا بأنفسنا مفرطة والآن يجب مراجعة كل شيء من الأساس: العقود، والرهون وتواقيع الأب.‏

خوليو : دون اضطراب كل شيء مكتوب على شكل قانوني تماماً.‏

رولدان : من حيث المظهر، نعم. لكنّ عشرين عاماً في الجبل ألبسته حاسة شم كلب يجري منقباً نابشاً ليرى ماذا يوجد تحت.‏

خوليو : المهم الآن، ليس هذا البائس المغفّل، وإنما هي.‏

رولدان : هي؟ من؟‏

خوليو : هذه المعلّمة الصغيرة التي هبطت من السماء. حسب المعلومات الواردة في رسالتك، لا يوجد أدنى شك إنها مرغريتا لوخان، فتاة وحيدة، الجامعة..‏

رولدان : أتعرفها؟‏

خوليو : كنا صديقين حميمين:أتذكّر ما عانته كي تنهي دراستها لم يكن في جيبها سنتيم واحداً أبداً.‏

رولدان : من هذا الجانب، لا تنسج أوهاماً. امرأة من هذا الطراز لا تُشرى بالمال إنها مفرطة بكبريائها.‏

خوليو : حين عرفتها، كان عليها أن تبيت ليالي كاملة دون أن تتناول فنجاناً من القهوة حينئذ لم تكن متكبّرة، دعها لي، متى ينتهي الأجل الأخير؟ يُسمع من جهة العمق نباح كلاب بعيدة)‏

رولدان : اسكت! بابلو هنا. هيّا بنا إلى مكتبي.‏

خوليو : يخرج مع أبيه عبر الدهليز) مرغريتا لوخان... أتذكّرها وكأني أراها أمامي، عيناها جميلتان خضراوان... مرغريتا لوخان! المسرح خالٍ للحظة... النباح يقترب تُسمع صفرة ثم صوت مارغا وهي تهدّئ الكلاب.)‏

صوت مارغا: تعال هنا يا "فيرمين" اهدأ يا جرو، اهدأ. هكذا! عمق المسرح يُفتح فجأة وتدخل مارغا وتغلق الباب وراءها فوراً النباح يأخذ بالخمود في الخارج. تتنهّد بمرح وقد أعيت من طول ما جرت، تحمل ثمرة تقضمها كما كان يفعل بابلو في الفصل الأول. تنزع البندقية عن كتفها، وتلقي بها على إحدى الكراسي دون أن تنظر. تدنو من المنضدة وتجلس على طرفها وتتصفّح دفاتر ورسوماً ملتقطة أنفاسها من حين لآخر تبدو عليها أمارة دهشة وصيحة معلمة راضية. تشرع بالتصحيح وهي تصفرّ من بين أسنانها بينما تقوم بعملها. تنظر فيما حولها وكأنها تخشى أن يراها أحد، تضع إصبعها في فمها وتحاول أن تصفرّ على شكل حاد دون أن تنجح تجرّب ذلك مرّة أخرى)‏

مارغا وحيدة ثم أنخلينا في الحال.‏

مارغا : هذا عبث. لن أتعلّم هذا الصغير أبداً. تتابع التصحيح وقضم الثمرة في السلم تظهر العمة أنخلينا)‏

أنخلينا : أأنت وحيدة؟‏

مارغا : مساء الخير، يا أنخلينا.‏

أنخلينا : وهي نازلة) ظننته هو من وصل مع الكلاب، أما عدت تخافينها؟‏

مارغا : الآن صرنا أصدقاء كباراً. كنا عند البحيرة، نطلق النار على البط.‏

أنخلينا : وبابلو؟‏

مارغا : انحبس في المكتبة ليدرس. تغلق الدفتر وتقترب هامسة) أكلمت العمة ماتيلده؟‏

أنخلينا : حاولت إقناعها. لكن، أنت تعرفينها هي لا تزال عند فكرتها بأن الأفضل ألا نحدّثه عن أمه أبداً.‏

مارغا : من قبل كان ذلك ممكناً. لكنه يعلم الآن أن الأم أكبر من مجرّد كلمة منسية، يرد الآن أن يعلم من كانت أمه. وليس من حقنا أن نظل ننكر عليه حقه.‏

أنخلينا : لا أظنّ انه خطر لك أن باستطاعتنا أن نقول له الحقيقة!‏

مارغا : هذا ما أحاول تجنّبه تحديداً: إذ بإخفائها سيرتاب بالأمر كيف سنبرر عدم بقاء أيّ شيء بالبيت خاصّ بها؟‏

أنخلينا : هل عاد يسألك؟‏

مارغا : دائماً يحتاج إلى أن يمسك بيديه شيئاً كانت لمسته هي بيديها، تذكاراً مهما يكن صغيراً... يجب أن تساعديني يا أنخلينا.‏

أنخلينا : قلبت كل الخزن والصناديق العتيقة.‏

مارغا : ألم تعثري على شيء؟‏

أنخلينا : أشياء صغيرة: صندوق ياباني، علبة موسيقى وميدالية فيها صورة.‏

مارغا : صورتها؟‏

أنخلينا : صورتها معه حين كان في الرابعة من عمره.‏

مارغا : لكن هذا كنز. أيمكنني نقل ذلك لبابلو؟‏

أنخلينا : دون إذن ماتيلده؟‏

مارغا : تشجعي هذه المرّة لا يمكن أن تكوني على هذا القدر من التواضع.‏

أنخلينا : ليس تواضعاً يا بنيّتي في جوهره، هو راحة. أنا خلقت لأطيع. وهذ أجلب للهدوء. أختي على نقيضي، من تلك النساء اللواتي خلقن ليأمرن. ما جرى هو أن زواجها دام ثمانية أيام، ولم يُتح لها الوقت لإبراز سيطرتها. تُسمع في الداخل صيحة بابلو منادياً)‏

صياح : مار- غا!!!!‏

مارغا : تجيب بالطريقة ذاتها) با-بلوووو سرعة- ترافقها) هاتي كل شيء من فضلك.‏

أنخلينا : وإذا علمت ماتيلده؟‏

مارغا : اطمئني أنا المسؤولة. تختفي العمة أنخلينا داخل السلم وقت دخول بابلو من القسم الأول في الجانب الأيسر يحمل كتاباً كبيراً وكتباً أخرى أصغر منه، لكنه مبتهج وضاحك كعادته، حوار سريع متألّق النبرة وكأنهما يتحادثان من بعيد)‏

مارغا وبابلو‏

بابلو : أين كانت قائدتي خلال القرون الأربعين الأخيرة؟‏

مارغا : أجري في الجبل مع برناردو وفيرمين.‏

بابلو : أكان الصيد وافراً؟‏

مارغا : الجرو اصطاد أرنباً وهو يجري.‏

بابلو : ممتاز! عشر علامات للجرو. مسرورة؟‏

مارغا : بل سعيدة. أدخلت في دمي هواء الغابة كله، وإني جائعة جوعاً شرساً.‏

بابلو : جيد جداً. أمنحك رتبة الشرف!‏

مارغا : شكراً، يا معلّم. يسلّمان على بعضهما بصفق الأيدي. الحوار راح يأخذ منحاه الطبيعي شيئاً فشيئاً) وأنت؟‏

بابلو : مكثت أدرس خمس ساعات متتاليات. امتلأ رأسي وفقدت شهيّتي كلها.‏

مارغا : إذاً، كل شيء يسير على ما يرام. كل واحد في موقعه. ما هو جديدك الأخير؟‏

بابلو : واضعاً الكتب على المنضدة) كتابان جديدان وهذا الدفتر اصطدته في مكتب المدير.‏

يفتح الكتاب الكبير ويتصفّحه بينما يتابع الحوار)‏

مارغا : أمهمّ موضوعه؟‏

بابلو : مثير؛ الميزانية العامة: الدخل والنفقات)‏

مارغا : أتعجبك الأرقام كثيراً؟‏

بابلو : هي كالكلاب، أحياناً تعضّ، لكنها وفيّة دائماً. لحظة: أنت علمتني الجمع أولاً، ثم الطرح بعده. أليس كذلك؟‏

مارغا : هذا هو النظام المتبّع لماذا؟‏

بابلو : لأن هذا الثعلب العجوز، كما يبدو، تعلّم العكس يطوي الصفحة ويرمي بالكتاب على المنضدة) سنتواجه يا رفيق.‏

مارغا : والكتب الأخرى، ما شأنها؟‏

بابلو : أخذت من كل شيء بطرف. أما مالم أستطع ختمه فهذه الرواية المضجرة للغاية. فهيا تغيير كبير في الأشخاص، لكن الحيل نفسها تتكرر دائماً، وكذلك السرقات والجرائم..‏

مارغا : أية رواية؟‏

بابلو : هذه! "تاريخ العالم" أيعجبك التاريخ؟‏

مارغا : على شكل عادي. وأنت؟‏

بابلو : هو تضخّم في الذاكرة، ولا شيء من الخيال. لكنّ هذا الكتاب يختلف. لقد أمتعني حقاً.‏

مارغا : تنظر إلى الكتاب) آه! "الحياة حلم"‏

بابلو : الآن فهمت لماذا كان أبي يدعوني أحياناً: سيغسموندو: إنسان عظيم، سيغسموندو هذا. ما رأيك؟ يجلس على الكرسي، لكن بشكل معكوس) أشاهدت هذه المسرحية ذات مرة؟‏

مارغا : ذات ليلة لا تنسى! كنت ما أزال طالبة.‏

بابلو : يطيب لي أن أذهب إلى المسرح معك، آخذاً بذراعك وأرى الشوراع المضاءة وا
KhaLed AhMad aLsaYed
KhaLed AhMad aLsaYed
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 246
تاريخ التسجيل : 08/09/2009

https://theater2010.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Empty رد: الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997

مُساهمة  NoUr kasem الخميس سبتمبر 10, 2009 10:25 am

خلودة بشكرك كتيييير من كل قلبي على هالمسرحية I love you

بصراحة لسه ماقرأتها بس أكيد حلوة

على كل حال أنا حفظتها بجهازي وأول ما خلص من قراءتها بوعدك اني أعطيك رأيي فيها وبكل تجرد study

أنا عمبستنى منك مسرحيات أكتر وأكتر

مع فائق الاحترام والمودة flower
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 37
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Empty رد: الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997

مُساهمة  NoUr kasem الخميس سبتمبر 10, 2009 2:35 pm

بس في شغلة تانية حبيت ضيفها أنا هلأ قرأت أولها ومتشوقة كتير حتى أعرف الكمالة study

لأنو عنجد من بدايتها بتحس بالتشويق وشو ممكن يصير

عنجد قديش بقرأ مسرحيات وروايات بس هالمسرحية بالذات فيها سر غريب بتخلي الواحد ينجذبلها وما يوقف عن قرائتها لحتى يوصل للنتيجة

وأكتر جملة عجبتني هون وقت قالت متيلدة(من يذهب باتجاه اليمين يقذفه بالحجارة أصحاب الشمال ، ومن يتجه صوب اليسار يقذفه بالحجارة أصحاب اليمين ، ومن يقف في الوسط يرجم من الجهتين معا) Shocked

يعني والله تقول هالكاتب قاعد بقلبي عنجد نحنا هيك بالحياة اليومية بيحتار الواحد لشو ينجاز أو وين يوقف بين هالعجقة

حاليا هذا هو تعليقي عالقسم الأول عنجد عجبتني طريقة الكاتب وبتمنى انك تبقى تكتبلنا عن مسرحياته
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 37
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997 Empty رد: الكلمة الثالثة - تأليف أليخاندرو كاسونا - ترجمة علي أشقر - (مسرحية في ثلاثة فصول) - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997

مُساهمة  ???? الخميس سبتمبر 10, 2009 7:00 pm

كتيييييييير بتجنن المسرحية....

شكرا خالد بتمنى نشوف تكملة هالمسرحية لانو جد متشوقة

اقرا باقي المسرحية .....

تقبل مروري....

????
زائر


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى