الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
نتمنى لكم المتعة والفائدة
الفنون المسرحية و الموسيقى kHaLeD aHmad aLsAyEd
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم

المواضيع الأخيرة
» لمحبي فن المسرح الجميل صدر اخيرا مسرحية " انا ارهابي "
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالسبت نوفمبر 30, 2013 5:57 am من طرف ايمن حسانين

» لقاء تليفزيونى للكاتب المسرحى / ايمن حسانين
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالإثنين نوفمبر 04, 2013 3:20 am من طرف ايمن حسانين

» أحلى عيد لأغلى مموشة
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالأحد ديسمبر 09, 2012 8:30 am من طرف FOX

» احترت في هذا العيد هل أعلن فرحي للمعايدة أم أعلن الحداد ؟!
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالإثنين نوفمبر 07, 2011 10:15 am من طرف NoUr kasem

» محمود درويش . . تكبر تكبر
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 27, 2011 8:56 am من طرف NoUr kasem

» المخلـــــــــــــــــــــص
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالأحد أكتوبر 23, 2011 7:11 am من طرف NoUr kasem

» عيوني هي التي قالت : وما دخلي أنا
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 1:37 pm من طرف sanshi

» سيمفونية سقوط المطر
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 8:42 am من طرف NoUr kasem

» مسلسل "أوراق مدير مدرسة" يعرض مشاكل الطلاب والأساتذة وصعوبات التدريس الحديث
قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 7:46 am من طرف NoUr kasem

التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

قصص قصيرة لكتاب كبار

4 مشترك

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

اذهب الى الأسفل

قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Empty رد: قصص قصيرة لكتاب كبار

مُساهمة  NoUr kasem السبت أكتوبر 23, 2010 2:52 am

الله يعطيكي الف عافية بجماليون ...الحقيقة دائما" موضيعك مميزة

الله يعافيك وانشالله ابقى على طول عند حسن ظنك وظن القراء

انا بصدد قراءة القصص
بتمنالك قراءة ممتعة انت وجميع المهتمين بالقصص
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 36
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Empty رد: قصص قصيرة لكتاب كبار

مُساهمة  NoUr kasem الإثنين أكتوبر 25, 2010 8:45 pm

المـــــــــــــــــعـــــــــــــــــطـــــــــــ ـــــــــف


نيقولاي غوغول

[color=green]ترجمة : د. أبوبكر يوسف
[color=red]في إحدى الادارات كان يعمل أحد الموظفين. . موظف لا نستطيع أن نقول عنه أنه كانبارزاً جداً، بل كان قصير القامة، مجدوراً إلى حد ما وأحمر الشعر إلى حد ما، بلويبدو أعمش إلى حد ما، بصلعة صغيرة فوق الجبين وتجاعيد على كلا الخدين، أما لونوجهه فكان كما يقال بواسيريا .. وما العمل؟! الذنب في ذلك ذنب جو بطرسبورغ. أمافيما يتعلق برتبته (لأنه من الضروري عندنا أن نعلن عن الرتبة قبل كل شيء) فقد كانممن يسمون بـ "المستشارين الاعتباريين" (1)الخالدين الذين سخرمنهم وهزئ بهم ما وسعهم، كما هو معروف، شتى الكتاب من ذوي العادة المحمودة فيالتهجم على أولئك الذين لا يحسنون العض. وكان اسم عائلة الموظف بشماتشكين. وكان اسمالموظف أكاكي أكاكيفتش. أما متى وفى أي وقت التحق بالادارة ومن الذي ألحقه بها،فهذا ما لم يستطع أحد أن يتذكره. فهمها تغير المدراء والرؤساء فقد كان الجميع يرونهدائماً في نفس المكان وفي نفس الوضع وفي نفس الوظيفة، أي موظف كتابة، حتى أنهمآمنوا فيما بعد بأنه، على ما يبدو، قد ولد هكذا جاهزا، في حلته الرسمية وبصلعة فيرأسه. ولم يكن يحظى في الادارة بأي احترام. فالحراس لم يكونوا ينهضون عند رؤيته،ليس هذا فحسب، بل حتى لم يكونوا ينظرون إليه، كما لو كانت مجرد ذبابة هي التي طارتعبر صالة الاستقبال. أما الرؤساء فكانوا يعاملونه بطريقة باردة. فأي مساعد منمساعدي الرئيس القلم كان يدس الأوراق تحت أنفه مباشرة حتى دون أن يقول له: "انسخها" أو "هاك عملا طريفا طيبا" أو أية كلمات طيبة كما جرت العادة في المكاتب المهذبة. أما هو فكان يتناول الأوراق متطلعا إليها وحدها دون أن ينظر إلى من قدمها له وهليملك الحق في ذلك أم لا. كان يتناولها ويشرع على الفور في نسخها. وكان الموظفونالشبان يسخرون منه وينكتون عليه بقدر ما كانت تسمح به روح النكتة المكتبية، ويروونأمامه شتى الحكايات التي ألفوها عنه، ويقولون عن مدبرة بيته وهي عجوز في السبعين منعمرها، أنها تضربه ويسألونه متى سيحتفلون بزواجهما، ويهيلون الأوراق على رأسهقائلين أنه الثلج يسقط. ولكن أكاكي أكاكيفتش لم يكن يرد على ذلك بكلمة واحدة، كأنمالم يكن يقف أمامه أحد. بل ان ذلك حتى لم يؤثر على عمله، اذ لم يكن يرتكب خطأ واحداًفي الكتابة وسط كل هذه السخريات. وفقط عندما تكون النكتة غير محتملة، وعندما كانوايدفعونه في ذراعه، فيعوقونه عن العمل، كان يقول: "دعوني في حالي، لماذا تهينونني؟" كان يبدو ثمة شيء غريب في كلماته وفي الصوت الذي قيلت به. كان فيها شيء غريب فيالشفقة ، حتى أن موظفا شابا التحق بالوظيفة حديثا وكان قد سمح لنفسه بالسخرية منهكما يفعل الآخرون، توقف فجأة كالمصعوق، ومن يومها بدا وكأنه كل شيء قد تغير أمامعينيه وتبدى في صورة أخرى. ودفعته قوة غير طبيعية مجهولة بعيداً عن زملائه الذينصاحبهم باعتبارهم أشخاصا محترمين مهذبين. وظل هذا الموظف بعد ذلك ولفترة طويلة وفيأوج لحظات المرح يتذكر الموظف القصير ذا الصلعة فوق الجبين بكلماته النافذة "دعونيفي حالي، لماذا تهينونني؟".. وترن في هذه الكلمات النافذة كلمات أخرى: "أنا مثلأخيك". فكان الشاب المسكين من يغطي وجهه بيديه ويرتجف مرات ومرات عديدة بعد ذلكطوال عمره وهو يرى ما في الانسان من لا انسانية وإلى أي مدى تختفي الفظاظة الوحشيةفي التهذيب الراقي المرهف ويا الهي حتى في ذلك الانسان الذي يعتبره المجتمع نبيلاوشريفا.
ومن النادر أن تجد شخصا يتفانى في عمله إلى هذا الحد. فلا يكفي أن نقولأنه كان يعمل بغيرة، كلا، لقد كان يعمل بعشق. كان يرى في ذلك النسخ عالما خاصا به،عالما متنوعا ولطيفا. وكانت المتعة تتجلى في وجهه. وكانت بعض الحروف أثيرة لديه،وعندما يبلغها لا يعود يسيطر على نفسه. كان يضحك ويغمز بعينه ويساعد بشفتيه علىكتابتها، حتى أنه كان يبدو أنه بالامكان أن تقرأ على وجهه الحرف الذي كان قلمهيخطه. ولو أنهم كافأوه بقدر حميته فربما أصبح، ولدهشته هو، من مستشاري الدولة.(2)ولكنه، وكما قال زملاؤه المازحون. نال من الخدمة فتلة في عروةوفاز بمرض البواسير وألم الظهر. وعموما فلا يمكن أن نقول أنه لم يحظ بأدنى اهتمام. فقد أراد أحد المدراء، وكان رجلاً طيباً، أن يكافئه على النسخ، فكلفوه بأن يعدمذكرة من واقع ملف جاهز بالفعل لارسالها إلى جهة أخرى. ولم يكن الأمر يتعدى أكثر منتغيير العنوان الرئيسي وتعديل بعض الافعال من صيغة المتكلم إلى الغائب. ولكنه كلفهمن الجهد ما جعله يعرق تماما ويحك جبينه، وأخيرا قال: "كلا، من الأفضل أن تعطونيشيئا ما أنسخه". ومن يومها أبقوه للنسخ إلى الأبد. وكان يبدو أنه لا يوجد بالنسبةله أي شيء خارج هذا النسخ. لم يكن يفكر في ملابسه أبدا: فحلته لم تكن خضراء اللون،بل ذات لون أحمر طحيني ما. وكانت ياقتها ضيقة، قصيرة، حتى أن عنقه، رغم أنه لم يكنطويلا، كان يبرز من الياقة ويبدو طويلا بصورة غير عادية. وكان يعلق بحلته دائماشيء: إما قطعة قش أو خيط ما. وعلاوة على ذلك كانت لديه مهارة خاصة أثناء سيره فيالشارع في أن يتواجد تحت النافذة بالضبط في الوقت الذي يلقون منها شتى الفضلات،ولذلك كان يحمل على قبعته دائما قشر البطيخ والشمام وغير ذلك من التفاهات. ولم يحدثمرة واحدة في حياته أن التفت إلى ما يجري ويحدث كل يوم في الشارع ولا حتى إلى ماينظر دائماً إليه أخوه الموظف الشاب. كما هو معروف، والذي تمتد نظرته الثاقبةالنشطة إلى حد أنه يلاحظ على الرصيف الآخر من تفتقت ربطة ساق سرواله، الأمر الذييجعل الابتسامة الخبيثة تظهر على وجهه.
أما أكاكي اكاكيفتش فحتى لو نظر إلى شيءفما كان ليرى فيه سوى سطوره النظيفة المكتوبة بحط منمق، اللهم إلا إذا استقرت علىكتفه فجأة سحنة حصان لا يعلم أحد من أين جاءت ونفثت بمنخاريها في خده ريحا قوية. عندها فقط كان يلاحظ أنه ليس في وسط السطر، بل على الأرجح في وسط الشارع. وعندمايعود إلى المنزل كان يجلس على الفور إلى المائدة، فيلتهم بسرعة حساء الكرنب وقطعةلحم البقر بالبصل دون أن يحس أبدا بطعمها، وكان يأكل ذلك مع الذباب وكل ما كان اللهيرسله في تلك الساعة. وعندما كان يلاحظ أن معدته بدأت تنتفخ ينهض من أمام المائدةويستخرج دواة الحبر ويبدأ ينسخ الأوراق التي جاء بها معه إلى البيت. فإذا لم تكنلديه مثل هذه الأوراق كان يقوم بعمل نسخة لنفسه، فقط من أجل المتعة الشخصية، خاصةإذ كانت الورقة رائعة لا من حيث جمال صياغتها، بل من حيث انها مرسلة إلى شخصيةجديدة أو هامة.
وحتى في تلك الساعات التي تنطفئ فيها تماما سماء بطرسبورغالرمادية، وبعد أن تكون جماعة الموظفين كلها قد تعشت وشبعت، كل منهم حسب ما يتقاضاهمن مرتب وحسب رغباته الخاصة، وبعد أن يكون الجميع قد ارتاحوا من صرير اقلامالادارات والركض بعد أداء الأعمال الخاصة واعمال الآخرين الضرورية، بعد كل ما يكلفبه الانسان الذي لا يهدأ نفسه عن طواعية، بل وبأكثر مما ينبغي... وعندما يسرعالموظفون إلى تخصيص ما تبقى من وقت للمتعة: فالأنشط منهم ينطلق إلى المسرح، ومنهممن يخرج إلى الشارع مخصصا هذا الوقت للتطلع إلى بعض القبعات، ومنهم من يذهب إلى حفلما لينفق الوقت في اسداء المديح لفتاة ما مليحة تعد نجمة من نجوم اوساط الموظفينالضيقة، ومنهم من يذهب ، وهذا هو الأكثر، إلى أخيه الذي يسكن في الطابق الرابع أوالثالث، في شقة من غرفتين صغيرتين ومدخل أو مطبخ وببعض ادعاءات الموضة كمصباح مثلاأو قطعة أثاث كلفت أصحابها تضحيات كثيرة وحرمانا من وجبات الغداء والنزهات.. وباختصار فحتى في الوقت الذي يجلس فيه الموظفون في شقق زملائهم الصغيرة ليلعبواالورق وهم يرشفون الشاي من الأكواب مع قطع الخبز المحمص الرخيص وينفثون الدخان منالغلايين الطويلة ويروون أثناء توزيع الورق شائعة ما وردت من المجتمعالراقي..وباختصار فحتى عندما يسعى الجميع إلى اللهو فان اكاكي اكاكيفتش لم يكن يلجأإلى أي لهو. ولا يستطيع أحد أن يقول أنه رآه في وقت ما في احدى الحفلات. فبعد أنيشبع من النسخ يأوي إلى فراشه وهو يبتسم سلفا مفكرا في يوم الغد: فغدا سيرزقه اللهبشيء ما لينسخه. هكذا كانت تمضي حياة هذا الرجل الوادعة، هذا الرجل الذي كان راضياعن حظه بالاربعمائة روبل التي يتقاضاها في السنة، وربما مضت إلى أرذل العمر لولاوجود شتى المصائب المتناثرة على درب الحياة ليس فقط أمام المستشارين الاعتبارين. بلوالمستشارين السريين الفعليين ومستشاري البلاط(3)وغيرهم منالمستشارين وحتى اولئك الذين لا يقدمون استشارات لأي شخص ولا يطلبون المشورة منأحد. لا يقدمون استشارات لأي شخص ولا يطلبون المشورة من أحد.
ثمة في بطرسبورغعدو لدود لكل من يتقاضى اربعمائة روبل في السنة أو زهاء هذا. وهذا العدو ليس إلاصقيعنا الشمالي، بالرغم من أنه يقال أنه مفيد جدا للصحة. ففي بداية الساعة التاسعةصباحا، وبالذات عندما تكتظ الشوارع بالذاهبين إلى العمل يبدأ هو في توجيه لذعاتحادة قوية إلى جميع الأنوف دونما تمييز، حتى أن الموظفين المساكين لا يعرفون ابداأين يخفونها. وفي تلك الساعة يشعر حتى أولئك الذينيشغلون مناصب عليا بألم فيجباههم من البرد، وتطفر الدموع من عيونهم، أما المستشارون الاعتباريون المساكينفيصبحون أحيانا بلا حماية. والمخرج الوحيد هو أن يركضوا في معاطفهم الهزيلة بأسرعما يستطيعون ليقطعوا خمسة أو ستة شوارع، ثم يدقون بأقدامهم جيدا في المدخل حتىيذيبوا بهذه الطريقة كل ما تجمد في الطريق من قدرات ومواهب على أداء الأعمالالوظيفية. ومنذ فترة قريبة بدأ أكاكي اكاكيفتش يحس بوخز شديد خاصة في ظهره وكتفه،على الرغم من أنه كان يحاول أن يقطع بأسرع ما يمكن المسافة المشروعة. وأخيرا فكر: ألا يرجع ذلك إلى بعض العيوب في معطفه. وعندما فحصه جيدا في المنزل اكتشف أنه أصبحفي موضعين أو ثلاثة، وبالذات عند الظهر والكتفين، مثل الخيش تماما، فقد رق نسيجهإلى درجة أن الهواء صار ينفذ خلاله، اما البطانة فقد تهرأت. وينبغي أن نعرف أن معطفاكاكي اكاكيفتش كان أيضا مادة لسخريات الموظفين، بل لقد نزعوا عنه اسم المعطفالنبيل وسموه قبوطا. وبالفعل فقد كان شكله غريبا. كانت ياقته تصغر عاما بعد عاملأنها كانت تستخدم في ترقيع الأجزاء الأخرى. ولم يظهر الترقيع مهارة الخياط، فكانتالرقع تبدو قبيحة وخرقاء. وعندما عرف اكاكي اكاكيفتش حقيقة الأمر قرر أن يأخذالمعطف إلى بتروفتش، الخياط الذي يقطن في شقة ما بالطابق الرابع من ناحية سلم الخدموالذي كان رغم عوره ووجهه المجدور كله يزاول بنجاح كبير تصليح معاطف الموظفينوسراويلهم وحللهم وما إلى ذلك، بالطبع عندما يكون مفيقا وليس في رأسه مشاريع أخرى. وما كان هذا الخياط ليستحق منا أن نتحدث عنه كثيرا، ولكن بما أن العادة جرت أن يحددفي القصة طبع كل شخصية بوضوح تام، فلا حيلة اذن، هيا قدموا لنا بتروفتش أيضاً. كانفي البداية يدعى ببساطة غريغوري، وكان من رقيق الأرض عند أحد السادة. ثم أصبح يدعىبتروفتش عندما أعتق واصبح يسكر بشدة في جميع الأعياد، في البداية في الأعيادالكبيرة، وبعد ذلك دون تمييز في جميع الأعياد الدينية وحيثما وضعت اشارة الصليبأمام أي يوم من أيام التقويم.
وبينما كان اكاكي اكاكيفتش يصعد السلم المؤدي إلىبتروفتش أخذ يفكر في المبلغ الذي سيتطلبه بتروفتش وقرر في ذهنه ألا يعطيه أكثر منروبلين. كان الباب مفتوحا لأن ربة تقلي سمكا. فملأت المطبخ بالدخان إلى درجة أنه لميعد من الممكن حتى رؤية الصراصير نفسها. ومر اكاكي اكاكيفتش عبر المطبخ، حتى دون أنيلاحظ ربة البيت ذاتها، إلى أن وصل أخيراً إلى غرفة رأى فيها بتروفتش جالساً علىطاولة خشبية عريضة غير مطلية طاويا قدميه تحت كالباشا التركي. وكانت قدماه كعادةالخياطين الجالسين إلى عملهم، عاريتين. وأول ما لفت نظر اكاكي اكاكيفتش تلك الأصبعالكبيرة المعروفة جداً له ذات الظفر المشوه، الاصبع السمينة القوية كصدفة السلحفاة. ومن رقبة بتروفتش تدلت ثلة من الحرير والخيوط، وعلى ركبتيه حشو ما. كان منذ حواليثلاث دقائق يحاول دخال الخيط في ثقب الابرة ولا يستطيع ولذلك كان ساخطا على العتمة،بل وحتى على الخيط نفسه وهو يدمدم بصوت خافت: "لا يدخل هذا الوغد، أيها الملعون،أنهكتني!" وشعر اكاكي اكاكيفتش بالضيق من مجيئه في هذه اللحظة التي كان بتروفتشفيها غاضبا، فقد كان يحسب أن يوصي بتروفتش على شيء ما عندما يكون الأخير منتعشاًبعض الشيء أو كما كانت زوجته تقول: "عبّ من الهباب المسكر هذا الشيطان الأعور". ففيمثل هذه الحالة كان بتروفتش في العادة يتنازل ويوافق عن طيب خاطر، بل كان ينحنيكثيرا ويلهج بالشكر. صحيح أن زوجته كانت تأتي بعد ذلك وهي تعول وتشكو من أن زوجهاكان آنذاك ثملا ولذلك وافق على ثمن بخس. ولكن الأمر كان ينتهي بزيادة عشر كوبيكاتفقط وتسوى الأمور. أما الآن فيبدو أن بتروفيتش غير ثمل، ولذلك فهو صعب المراس، لايلين، وسيطلب على الأرجح ثمنا باهظا. أدرك اكاكي اكاكيفتش ذلك وأراد كما يقال أنيعود أدراجه. ولكنه كان قد بدأ الأمر. زر بتروفيتش عينه الوحيدة مسددا نظرتهاالثاقبة إليه، فتفوه اكاكي اكاكيفتش مسلوب الارادة:
- مرحبا، يابتروفيتش.
فقال بتروفيتش:
- مرحبا بكم، يا سيدي، - ونظر بطرف عينه نحو يدياكاكي اكاكيفتش رغبة منه في أن يعرف ما هو الصيد الذي جاء به هذا إليه.
- هاأنذا قد جئت إليك، يا بتروفيتش، بهذا.. يعني.. وينبغي أن نعرف أن اكاكي اكاكيفتشكان يعبر عن أفكاره في أغلب الأحوال بحروف الجر والظروف وأخيرا بالادوات التي ليسلها أي معنى على الاطلاق. أما اذا كانت المسألة صعبة جدا فقد كان من عادته ألا ينهيالجملة ابدا. ولذلك كان كثيرا ما يبدأ حديثه بهذه الكلمات: "هذا في الواقع.. يعنيتماما.." وبعد ذلك لا يقول شيئاً، وينسى هو نفسه، وهو يظن أنه قد قال كل شيء.
- ما هذا؟ - قال بتروفيتش وتفحص أثناء ذلك بعينه الوحيدة حلة اكاكي اكاكيفتش كلهاابتداء من الياقة حتى الاكمام والظهر والصدر والعراوي كل ما كان معروفا لديه جيدالأنه كان من صنع يديه. تلك عادة الخياطين، وهذا أول ما يفعله الخياط عندمايلقاك.
- وها أنذا، يا بتروفيتش، يعني.. المعطف.. الجوخ.. انظر، في كل مكان آخرما زال متيناً، لقد تعفر قليلا، ويبدو وكأنه قديم، لكنه جديد، فقط في مكان واحديعني.. على الظهر، وأيضاً هنا على كتف واحدة تلف قليلا، وعلى هذه الكتف أيضاًقليلا، أترى، هذا كل شيء ، عمل قليل..
أخذ بتروفتش القبوط وبسطه على الطاولةأولا وفحصه طويلا وهز رأسه ومد يده إلى النافذة ليأخذ علبة السعوط المستديرةوالمرسوم عليها صورة جنرال ما، لا يعرف أي جنرال هو لأن المكان الذي كان وجههمرسوما عليه قد ثقب وغطى بقطعة ورق مربعة واستنشق بتروفتش السعوط وبسط المعطف بينيديه وفحصه في مواجهة النور وهز رأسه ثانية. ثم قلبه، فجعل بطانته إلى أعلى وهزرأسه من جديد، ونزع من جديد غطاء العلبة بصورة الجنرال المغطى بورقة، وبعد أن حشاأنفه بالسعوط أغلق العلبة وخبأها وأخيرا قال:
- كلا، لا يمكن اصلاحه، ملبسبال.
أحس اكاكي اكاكيفتش عند سماعه هذه الكلمات بوخزة في قلبه.
- ولماذا لايمكن، يا بتروفتش؟ - قال بصوت ضارع كصوت الطفل تقريبا. – كل ما فيه أنه أصبح خفيفاعند الكتفين، وأنت لديك حتما قطع ما.
- نعم، يمكن أن أجد قطعا، القطع موجودة، - قال بتروفيتش . – لكن لا يمكن تثبيتها. النسيج مهترئ تماما. ما أن تلمسه بالابرةحتى يتفسخ.
- فليتفسخ، أما أنت فلتضع رقعة على الفور.
- ليس هناك ما توضععليه الرقعة، لا يوجد ما تثبت عليه، انه مستهلك جدا. الاسم فقط جوخ، ولكن لو هبتعليه الريح فسيتطاير.
- حاول أن تثبتها. كيف اذن في الواقع يعني؟!
- كلا، - قال بتروفتش بحسم. – لا يمكن عمل شيء.
أما المعطف فيبدو أنك ستضطر إلى تفصيلواحد جديد.
عند سماع كلمة "جديد" غامت عينا اكاكي اكاكيفتش واختلط أمام نظره كلما كان في الغرفة. لم ير بوضوح سوى الجنرال بوجهه المغطى بورقة على غطاء علبة سعوطبتروفتش.
- معطف جديد.. كيف؟ - قال وكأنما لا يزال نائما. – ليس لدي نقودلذلك.
- نعم، جديد، - قال بتروفتش بهدوء وحشي.
- واذا اضطررت إلى معطف جديدفكيف يعني هو..
- تقصد كم يساوي؟
- نعم.
- ثلاث ورقات من فئة الخمسين أوأكثر قليلا سيكون عليك أن تدفع، - قال بتروفتش وزمّ شفتيه زمة ذات مغزى. كان يحبجدا التأثيرات القوية، كان يحب أن يربك من أمامه فجأة بطريقة ما، ثم ينظر بعد ذلكبطرف عينه إلى التعبير الذي يكسو ملامح الشخص المرتبك بعد سماع كلماتالخياط.
وصرخ اكاكي اكاكيفتش المسكين:
- مائة وخمسون روبلا لمعطف! – صرخ ربمالأول مرة في حياته، فقد كان معروفا دائما بصوته الخافت.
- نعم، - قال بتروفتش. – وهذا يتوقف أيضاً على نوع المعطف. فلم وضعنا على الياقة فراء سنسار وبطنّا القلنسوةبالحرير فيصل إلى المائتين.
- بتروفتش، أرجوك، - قال اكاكي اكاكيفتش بصوت ضارعوهو لا يسمع ولا يحاول أن يسمع ما قاله بتروفتش من كلمات وجميع تأثيراته. – أصلحهبأي شكل، لكي أستخدمه ولو فترة أخرى.
- كلا، هذا لا يمكن. سيكون ذلك اهداراللعمل وتضييعا للنقود عبثا، - قال بتروفتش، فخرج اكاكي اكاكيفتش من عنده بعد هذهالكلمات محطما تماما.
أما بتروفتش فقد ظل بعد خروجه واقفا مدة طويلة وقد زمّ شفتيه زمة ذات مغزى، وهو لايشرع في العمل، وقد أرضاه أنه لم يفرط في كرامته، كما أنه لم يخنْ فنهكخياط.
عندما خرج اكاكي اكاكيفتش إلى الشارع كان كأنما في حلم. ومضى يحدث نفسه: "يا له من أمر، يا لها من قضية. في الحقيقة لم أكن أظن أن المسألة يعني ستكون..". وبعد فترة صمت استطرد: "هكذا إذن. هذا حقا غير متوقع أبدا يعني.. ابدا لكن.. يا لهامن مسألة!" وبعد أن قال ذلك وبدلا من أن يذهب إلى البيت سار في اتجاه آخر تماما،وهو لا يدري. وفي الطريق احتك به منظف مداخن بجنبه الملوث، فسوّد له كتفه كلها. وانهال عليه كوم من الملاط من قمة منزل يجري بناؤه. فلم يلاحظ ذلك كله، وفيما بعدعندما اصطدم بالدركي الذي كان قد اسند بلطته إلى جواره وأخذ ينفض التبغ من علبةتبغه فوق راحته الخشنة، عندها أفاق اكاكي اكاكيفتش قليلا، وذلك فقط لأن الحارس قالله: "ما لك تندفع مصطدما بالسحنة، أليس أمامك رصيف؟" وقد جعله ذلك ينبه ويعودأدراجه إلى المنزل. وهنا فقط بدأ يستجمع شتات أفكاره، فرأى وضعه في صورته الحقيقيةالواضحة وأخذ يحدث نفسه لا بعبارات متقطعة، بل بحكمة وصراحة كأنما يتحدث إلى زميلراجح يمكن أن تفضي إليه بأخص أسرار القلب. قال اكاكي اكاكيفتش: "لا، لا يمكن. الكلام مع بتروفتش الآن مستحيل، فهو الآن يعني .. يبدو أن زوجته ضربته علقة بشكلما. الأفضل أن أذهب إليه صباح الأحد. فبعد السبت سيكون زائغ النظرات ونعسان وبحاجةإلى الشراب، وزوجته لن تعطيه نقودا. وعندئذ أدس يعني في يده عشرة كوبيكات، فيصبحالاتفاق معه أسهل، وعندئذ سيأخذ المعطف يعني.." هكذا حدث اكاكي اكاكيفتش نفسهوشجعها، وانتظر حلول يوم الأحد، وعندما رأى من بعيد زوجة بتروفتش تخرج لأمر ما منالمنزل، توجه إليه مباشرة. وبالفعل كان بتروفتش بعد السبت زائغ النظرات بشدة، ورأسهمدلى نحو الأرض، وكان نعسان جداً. ورغم كل ذلك فما أن عرف بالأمر حتى اعتدل كأنماوخزه الشيطان وقال: "لا يمكن .. فلتتكرم بتفصيل معطف جديد". وهنا دس اكاكي اكاكيفتشفي يده عشرة كوبيكات. فقال بتروفتش: "أشكرك، يا سيدي، سأشرب قليلاً في صحتك. أمابخصوص المعطف فلا تقلق، انه لا ينفع لأية منفعة. سأخيط لك معطفاً جديداً عظيماً،على هذا اتفقنا."
وأراد اكاكي اكاكيفتش أن يفتح فمه ليتحدث عن التصليح، ولكنبتروفتش لم يصغ إليه وقال: "سأخيط لك واحداً جديداً من كل بد، وبوسعك أن تعتمد عليفي ذلك، سأبذل جهدي. ومن الممكن حسب الموضة الآن أن أركب الياقة بمشابكفضية".
وعندها أدرك اكاكي اكاكيفتش أنه لا يمكن التنصل من تفصيل معطف جديد،فانهار تماما. وبالفعل كيف يمكن أن يفصله، بأية نقود؟ ومن أين له؟ بالطبع كان منالممكن الاعتماد جزئياً على المكافأة القادمة بمناسبة العيد، ولكن هذا المبلغ قدوزع وحددت أوجه انفاقه سلفا منذ زمن بعيد. فقد كان من المطلوب اقتناء سروال جديدوتسديد دين قديم للاسكافي مقابل تركيب رقبة جديدة للحذاء القديم، وكان عليه أيضاًأن يوصي الخياطة على ثلاثة قمصان وعلى قطعتين من تلك الملابس التي لا يليق ذكراسمها في نص مطبوع، وباختصار كان من المفروض انفاق المبلغ كله، وحتى لو تكرم المديروصرف له بدلا من الاربعين روبلا المقررة خمسة وأربعين أو خمسين فلن يتبقى منها معذلك سوى شيء تافه لن يكون في رصيد المعطف سوى قطرة في بحر. رغم أنه كان يعرف طبعاًأنه كان من عادة بتروفتش أحياناً أن يطلب فجأة مبلغا لا يعقل، حتى أن زوجته كانت لاتتمالك نفسها فتصيح به: "ماذا دهاك، هل جننت، أيها الأحمق؟! مرة لا يرضى أن يعملبأي حال، والآن يدفعه الشيطان إلى طلب سعر لا يساويه المعطف حتى مقابل ثمانينروبلا، ومع ذلك فمن أين يأتي بالثمانين روبلا هذه؟ ربما أمكن تدبير نصف المبلغ،نعم، ربما وجد نصفه، بل وربما أكثر قليلا، ولكن من أي يأتي بالنصف الآخر؟.. ولكنينبغي أولاً أن يعرف القارئ من أين جاء النصف الأول. كان من عادة اكاكي اكاكيفتش أنيوفر من كل روبل ينفقه نصف كوبيك ويضعه في صندوق صغير يقفل ذي فتحة في غطائه لالقاءالنقود فيها. وكان كل نصف عام يغير قطع النقود النحاسية المتجمعة هناك بقطع فضية. هكذا كان يفعل منذ زمن طويل، وعلى هذا النحو تجمع لديه خلال عدة سنوات مبلغ يفوقالأربعين روبلا. وهكذا فقد كان معه نصف المبلغ، ولكن من أين يأتي بالنصف الآخر؟وفكر اكاكي اكاكيفتش طويلا، ثم قرر أنه ينبغي عليه أن يخفض نفقاته العادية، ولوخلال عام واحد على الأقل: أن يمتنع عن تناول الشاي كل مساء، ولا يشعل الشمعة مساء،فإذا تطلب الأمر أن يعمل فليذهب إلى غرفة صاحبة البيت ويعمل هناك على ضوء شمعتهاوأن يسير في الشارع بأقصى ما يمكن من الخفة والحذر وهو يخطو فوق الأحجار والبلاطعلى أطراف أصابعه تقريبا لكي لا يبلى نعله بسرعة وأن يقلل ما أمكن من اعطاء ملابسهللغسالة، وحتى لا تبلى فعليه أن يخلعها كلما عاد إلى المنزل ويبقى فقط في الروبالقطني العتيق جدا والذي رأف بحاله حتى الزمن نفسه. وللحقيقة ينبغي أن نقول أنه كانمن الصعب عليه إلى حد ما في البداية أن يتعود على هذه القيود، ولكنه ألفها فيما بعدوسارت الأمور على ما يرام، بل انه تعود تماما على الجوع في المساء وفي المقابل فقدكان يتغذى معنويا، وهو يحمل في خاطره الفكرة الخالدة عن المعطف المقبل. ومنذ تلكاللحظة بدا وكأن وجوده نفسه أصبح أكثر اكتمالا، وكأنما تزوج ، كأنما أصبح يلازمهشخص ما، كأنما لم يعد وحيداً، بل وافقت شريكة حياة لطيفة على أن تمضي معه في دربالحياة، ولم تكن شريكة الحياة تلك سوى المعطف ذي الحشوة القطنية السميكة والبطانةالمتينة التي لا تعرف البلى. وأصبح اكاكي اكاكيفتش أكثر حيوية، بل وأصبحت شخصيتهأكثر صلابة كشخص حدد لنفسه هدفا وسعى إليه. واختفت من وجهه ومسلكه تلقائياً الشكوكوالتردد أي كل الملامح المتذبذبة وغير المحددة. وكانت عيناه تتوقدان أحياناً، وكانتأكثر الخواطر جرأة وجسارة تومض في ذهنن: "فماذا لو ركّب فعلا ياقة من فراءالسنسار!" وكاد التفكير في ذلك أن يجعله نهبا لشرود الذهن. فذات مرة أوشك أن يخطئوهو ينسخ الأوراق حتى أنه صاح بصوت مسموع تقريبا: "أوه!" ورسم علامة الصليب. وكانكل شهر يزور بتروفتش مرة على الأقل لكي يتحدث عن المعطف: وأين يستحسن أن يشتريالجوخ ومن أي لون وبأي ثمن، وكان يعود من عنده مهموما بعض، إلا أنه كان يعود راضياًدائما وهو يفكر في أنه سيأتي أخيراًَ ذلك الزمن الذي سيشتري فيه كل ذلك ويصبحالمعطف جاهزاً. بل لقد سارت الأمور بأسرع مما كان يتوقع. فخلافا لكل الأحلام قررالمدير لاكاكي اكاكيفتش لا أربعين أو خمسة وأربعين روبلا، بل ستين روبلا كاملة. وسواء أحس المدير أن اكاكي اكاكيفتش بحاجة إلى معطف أم أن ذلك حدث عفوا فقد أصبحلديه نتيجة لذلك عشرون روبلا زيادة. وعجل هذا الوضع بسير الأمور. فبعد شهرين أوثلاثة من الجوع البسيط أصبح لدى اكاكي اكاكيفتش بالضبط حوالي ثمانين روبلا. وبدأقلبه الذي كان هادئاً للغاية بصفة عامة، يدق. وفي نفس اليوم ذهب مع بتروفتش إلىالمحلات. وابتاعا قماشا جيدا جدا. ولا عجب. فقد كانا يفكران في ذلك قبلها بنصف عام،ونادرا ما مر شهر دون أن يذهبا إلى المحلات للنظر في الأسعار. وفي المقابل فقد قالبتروفتش نفسه أنه ليس هناك جوخ أفضل منه. واختار للبطانة قماشا بفتة، ولكنه كانمتينا وسميكا وحسب كلام بتروفتش أفضل من الحرير، بل وكان منظره أبهى وأكثر لمعانا. ولم يشتريا فراء السنسار لأنه كان بالفعل غاليا، وبدلا منه اختارا فراء قط أفضل لميجدا غيره في المحل، فراء قط يمكن دائما أن تظنه فراء سنسار اذا نظرت إليه من بعيد. واستغرق بتروفتش اسبوعين في خياطة المعطف لأنه تطلب الكثير من التنجيد، ولولا ذلكلفرغ منه قبل ذلك. وأخذ بتروفتش اثني عشر روبلا أجرا، ولم يكن من الممكن اعطاؤه أقلمن ذلك: فقد كانت الخياطة كلها بخيوط من الحرير وبخياطة دقيقة مزدوجة، ومر بتروفتشعلى كل الخياطة بأسنانه بعد ذلك مزيلا بها شتى النتوءات. وكان ذلك في.. من الصعب أننقول في أي يوم كان ذلك بالضبط، ولكنه على الأرجح كان أكثر الأيام مهابة في حياةاكاكي اكاكيفتش، وذلك عندما جاءه بتروفتش أخيراً بالمعطف. جاء به في الصباح بالضبطقبيل الوقت الذي كان على اكاكي اكاكيفتش فيه أن يذهب إلى الادارة. وجاء هذا المعطففي وقت ليس هناك ما هو أكثر منه مناسبة: فقد بدأ بالفعل الصقيع الشديد، وبدا أنهينذر بمزيد من البرد. وجاء بتروفتش بالمعطف كما ينبغي أن يأتي خياط جيد, فقد ظهرعلى وجهه تعبير أهمية لم يره اكاكي اكاكيفتش عليه من قبل قط. وبدا أنه يدرك الهوةالتي تفصل بين الخياطين الذين يركبون البطانات فقط ويصلحون الملابس والخياطين الذينيخيطون الملابس الجديدة. وأخرج بتروفتش المعطف من المنديل الذي لفه به. وكانالمنديل خارجا من أيدي الغسالة لتوه. وقد لفه بتروفتش بعد ذلك ووضعه في جيبهللاستعمال. وبعد أن أخرج المعطف نظر إليه بزهو شديد وأمسكه بكلتا يديه، ثم ألقى بهبمهارة شديدة على كتفي اكاكي اكاكيفتش. ثم شده وسواه بيده من الخلف إلى أسفل. ثم مربيده على المعطف، وهو مسدل على كتفي اكاكي اكاكيفتش. ولكن اكاكي اكاكيفتش كرجلمتقدم في العمر أراد أن يجرب المعطف وقد ارتداه بأكمامه. فساعده بتروفتش علىارتدائه بأكمامه، فظهر أنه جيد بالأكمام أيضاً. وباختصار فقد اتضح أن المعطف كانعلى مقاسه بالضبط. ولم ينس بتروفتش بهذه المناسبة أن يقول أنه فقط لأنه يعيش بدونلافتة وفي شارع صغير وفوق ذلك يعرف اكاكي اكاكيفتش منذ فترة طويلة فقد تقاضى أجراًقليلا إلى هذا الحد. أما في شارع "نيفسكي" فكانوا سيأخذون منه خمسة وسبعين روبلاعلى الخياطة فقط. ولم يشأ اكاكي اكاكيفتش أن يجادل بتروفتش في ذلك، وعلاوة على ذلكفقد كان يخاف من تك المبالغ القوية التي كان يحلو لبتروفتش أن يوهم بها الزبائن. فنقده أجره وشكره وخرج على الفور في المعطف الجديد إلى الادارة. وخرج بتروفتش فيأثره ووقف ففي الشارع ينظر طويلا إلى المعطف من بعيد. ثم انعطف عن عمد إلى حارةملتوية لكي يختصر الطريق ويعود إلى الشارع ثانية وينظر مرة أخرى إلى المعطف ولكن منناحية أخرى أي من الوجه مباشرة. بينما كان اكاكي اكاكيفتش يسير ومشاعر البهجةتغمره. كان يشعر كل لحظة بأن على كتفيه معطفا جديدا، بل وضحك عدة مرات من السرورالداخلي. وبالفعل فقد كانت هناك منفعتان: واحدة هي أنه دافئ والأخرى أنه حسن. ولميلحظ الطريق ابدا ووجد نفسه في الادارة فجأة. وفي غرفة الحاجب خلع المعطف وتفحصه منجميع الجهات ووضعه في رعاية الحاجب الخاصة. ولا نعرف كيف علم جميع من في الادارةفجأة أن لدى اكاكي اكاكيفتش معطفا جديدا، وأن معطفه السابق لم يعد له وجود بعد. وفينفس اللحظة هرول الجميع إلى غرفة الحاجب ليروا معطف اكاكي اكاكيفتش الجديد. وراحوايهنئونه ويحيونه ، حتى أنه في البداية أخذ يبتسم فقط، ثم شعر بعد ذلك بالخجل،وعندما أخذ الجميع، وقد أحاطوا به، يقولون أنه لا بد من تدشين المعطف الجديد وأنهينبغي عليه على الأقل أن يقيم لهم جميعا حفلا، ارتبك اكاكي اكاكيفتش تماما، ولميعرف ماذا يفعل وبم يردّ وكيف يتملص. وبعد بضع دقائق، وقد احمرّ كله، راح يؤكد لهمبسلامة نية أن هذا المعطف ليس جديدا ابدا وإنما هكذا مجرد معطف قديم. وأخيرا قالأحد الموظفين، بل كان أحد مساعدي رئيس القلم، ربما لكي يظهر أنه ليس متكبرا ابدا،بل ويتعامل مع من هم أدنى منه، قال: "طيب، فليكن. أنا سأقيم لكم حفلا بدلا من اكاكياكاكيفتش، وأدعوكم اليوم لتناول الشاي. واليوم بالمناسبة عيد ميلادي". وعلى الفورهنأ الموظفون مساعد رئيس القلم وقبلوا دعوته بكل سرور. وأراد اكاكي اكاكيفتش أنيعتذر، ولكن الجميع راحوا يقولون أن ذلك لا يليق وأنه شيء معيب ومخجل، فلم يستطعأبدا أن يرفض الدعوة. وعلى العموم فقد شعر فيما بعد بالسرور عندما تذكر أن ذلكسيتيح له فرصة السير مساء أيضا في المعطف الجديد. وكان هذا اليوم كله بالنسبة اكاكياكاكيفتش كأنما أكبر وأبهى عيد. وعاد إلى البيت في أسعد حالة ونزع المعطف وعلقهبحرص على الجدار، وقد ملى عينيه مرة أخرى من الجوخ والبطانة، ثم أخرج معطفه القديمعمدا بقصد المقارنة، ذلك المعطف الذي تهرأ تماما. تطلع إليه، فضحك هو نفسه منه، فماأبعد الفرق بينهما! وظل بعد ذلك وطوال الغداء يضحك كلما خطرت له حالة معطفه السابق. وتناول الغداء بمرح، ولم ينسخ شيئاً بعد الغداء، لم يمسك بأية أوراق، بل تمرغ فراشهقليلا حتى هبط الظلام. ثم ارتدى المعطف دون تسويف وخرج إلى الشارع. وللأسف فإننا لانستطيع أن نقول أين كان يسكن الموظف الذي دعاه، فقد بدأت الذاكرة تخوننا بشدة،فاختلط علينا كل شيء في بطرسبورغ. واندمجت كل البيوت والشوارع في الرأس. حتى أصبحمن الصعوبة بمكان أن نستخرج منها شيئاً ما في صورة متسقة. وأيا كان الأمر إلا أنالشيء الصحيح على الأقل هو أن الموظف كان يسكن في أحسن مناطق بطرسبورغ، وبالتاليبعيدا جدا عن اكاكي اكاكيفتش. كان على اكاكي اكاكيفتش في البداية أن يمر عبر بعضالشوارع المقفرة ذات الإضاءة الهزيلة. ولكن بقدر اقترابه من شقة الموظف أصبحتالشوارع أكثر حيوية وحركة واضاءة. وبدأ المارة يلوحون أكثر، ولاحت السيداتالأنيقات، وظهرت على الرجال ياقات من فراء السمور، ولم تظهر الا نادرا الزخارفالشعبية الخشبية المليئة بالمسامير المذهبة، وعلى العكس من ذلك كثر الحوذيونالمندفعون بسرعة بطواقيهم المخملية القرمزية، وبزحافاتهم المطلية باللاك اللامعوبالأغطية المصنوعة من جلود الدببة، وكانت العربات ذات مقاعد الحوذية المزينة تنهبالشارع وعجلاتها تصر على الثلج. وتطلع اكاكي اكاكيفتش إلى ذلك كله وكأنما يراهللمرة الأولى. إذ لم يخرج من داره مساء منذ عدة سنوات. وتوقف بفضول أمام واجهة متجرمضاءة ليتفرج على لوحة كانت تصور امرأة ما جميلة تخلع حذاءها كاشفة بذلك عن ساقهاكلها، وكانت ساقا لا بأس بها أبدا. ومن خلفها أطل من باب غرفة أخرى رجل بسالفينولحية جميلة تحت شفته. وهزّ اكاكي اكاكيفتش رأسه وضحك ضحكة قصيرة، ثم مضى في حالسبيله. فهل يا ترى ضحك لأنه رأى شيئاً غير معروف له، ولكنه مع ذلك يترك في نفس كلمن يراه حدسا ما، أم أنه ضحك لأنه فكر مثل كثيرين من الموظفين بهذه الصورة: "آه منهؤلاء الفرنسيين! ماذا بوسعك أن تقول.. فهم اذا أرادوا شيئا ما يعني فهو بالضبطيعني.." وربما لم يفكر حتى في هذا، فمن الصعب أن تقحم نفسك في دخيلة انسان ما لتعرففيم يفكر. وأخيرا وصل إلى البيت الذي كان يقطنه مساعد رئيس القلم.
كان مساعدرئيس القلم يحيا في بحبوحة من العيش: فعلى سلم المدخل كان مصباح مضاء، وكانت شقتهفي الطابق الثاني. وعندما دخل اكاكي اكاكيفتش إلى الردهة رأى على الأرض صفوفا منالخفوف. وبينها، في وسط الغرفة كان هناك سماور يغلي وينفث سحبا من البخار. وعلىالجدران علقت معاطف وأردية. كان من بينها معاطف بياقات من فراء السمور أو بطياتصدور من المخمل. وتناهى من وراء الجدار صخب ولغط أصبحا فجأة واضحين ورنانين عندمافتح الباب وخرج منه خادم يحمل صينية غاصة بالأكواب الفارغة ودورق حليب وسلة خبزمجفف. وكان واضحا أن الموظفين مجتمعون مدة طويلة وقد شربوا أول كوب شاي. وبعد أنعلق اكاكي اكاكيفتش معطفه بنفسه داخل الغرفة، وفي نفس الوقت لاحت أمام ناظريهالشموع والموظفون والغلايين وموائد لعب الورق، وأصم سمعه حديث متصاعد من جميعالجهات وجلبة مقاعد يحركونها. فتوقف في وسط الغرفة مرتبكا تماما، وهو يبحث ويحاولأن يجد لنفسه شيئاً يفعله. ولكنهم كانوا قد لاحظوا وجوده، فاستقبلوه بالصياح ومضواعلى الفور إلى الردهة وتفرجوا على معطفه مرة اخرى. ورغم أن اكاكي اكاكيفتش كانمحرجا بعض الشيء، ولكنه، اذ كان شخصا سليم النية، لم يستطع إلا أن يفرح، وهو يرى أنالجميع يمتدحون المعطف. وبعد ذلك بالطبع تركوه ومعطفه واتجهوا كما هو متبع إلىموائد لعب الورق. وكان كل ذلك: الصخب واللغط وهذا الحشد من الناس، كان كل ذلكعجيباً بالنسبة لاكاكي اكاكيفتش. لم يكن يدري كيف يتصرف ولا ماذا يفعل بيديه وساقيهوجسمه كله. وأخيرا جلس إلى اللاعبين وتطلع إلى أوراق اللعب وحدق في وجه هذا وذلكوبعد فترة من الوقت بدأ يتثاءب ويشعر بالملل خاصة وأنه قد حان منذ زمن بعيد الموعدالذي كان عادة يأوي فيه إلى الفراش. وأراد أن يستأذن من رب الدار في الانصراف،ولكنهم لم يسمحوا له قائلين أنه لا بد من تناول كأس شمبانيا بمناسبة المعطف الجديد. وبعد ساعة قدموا العشاء المكون من سلطة روسية ولحم عجول بارد وكبد مهروس وقطع جاتوهوشمبانيا. وأجبروا اكاكي اكاكيفتش على شرب كأسين من الشمبانيا أحس بعدهما أن الجوفي الغرفة أصبح أكثر مرحا، الا أنه لم يستطع أبدا أن ينسى أن الساعة بلغت الثانيةعشرة وأن وقت عودته إلى البيت قد حان منذ زمن بعيد. ولكيلا يحاول صاحب البيت أنيستبقيه بطريقة ما خرج اكاكي اكاكيفتش من الغرفة بهدوء وبحث عن معطفه في الردهة،فوجده للأسف ملقى على الأرض، فتناوله ونفضه ونزع منه كل ما علق به من زغب ووضعه علىكتفيه ونزل على السلم إلى الشارع. كان الشارع لا يزال مضيئاً. وكانت بعض المتاجرالصغيرة، هذه النوادي الدائمة للبوابين وغيرهم من الناس، لا تزال مفتوحة، أما البعضالآخر المغلق فكان يصدر عنه رغم ذلك شريط ضوء طويل عبر شق الباب كله، الأمر الذيكان يدل على أنها لم تخل بعد من تجمع بشري، اذ يبدو أن البوابين والسيّاس أو الخدميوشكون على الفراغ من أحاديثهم ورواياتهم موقعين أسيادهم في حيرة كاملة بخصوص أماكنتواجدهم. سار اكاكي اكاكيفتش مرح النفس حتى انه هم بالركض فجأة لسبب مجهول وراءسيدة ما مرقت بجواره كالبرق، وكان كل طرف من أطراف جسدها مفعما بحركة غير عادية. الا أنه مع ذلك توقف على الفور وسار كما في السابق بهدوء شديد ودهش هو نفسه من ركضهالذي لا يعرف من أين حل عليه. وسرعان ما امتدت أمامه تلك الشوارع الخاوية التي لاتتسم بمرح خاص حتى في النهار، فما بالك بالمساء. لقد أصبحت الآن أكثر خواء وعزلة. ومضت المصابيح أضعف، اذ يبدو أن الزيت فيها أصبح قليلا، وبدأت تلوح المنازل الخشبيةوالاسيجة. ولم يكن هناك أحد على الاطلاق . الثلج فقط هو الذي كان يلمع في الشوارع،ولاحت الأشباح السوداء الحزينة للأكواخ المنخفضة النائمة بنوافذها الموصدة الشيش. واقترب من ذلك المكان الذي كان الشارع يتقاطع فيه مع ميدان لا نهاية له لا تكادالمنازل تبين في طرفه الآخر. وكان هذا الميدان يبدو كصحراء رهيبة.
ومن بعيد، من مكان لا يعلمه إلا الله، ومض ضوء في كشك حراسة بدا وكأنه قائم في آخرالدنيا. وهنا انخفض مرح اكاكي اكاكيفتش إلى حد كبير. ودخل الميدان باحساس لااراديبالخوف كأنما كان قلبه يحدسه بشر. ونظر خلفه وتلفت حواليه. فبدا كأنما كان قلبهيحدسه بشر. ونظر خلفه وتلفت حواليه. فبدا ما حوله وكأنه بحر. فقال في نفسه: "كلا،من الأفضل ألا أنظر"، - وسار مغمض العينين، وعندما فتحهما ليعرف هل أوشك الميدانعلى الانتهاء أم لا، رأى أمامه فجأة، تحت أنفه تقريبا، شخصين ما بشوارب، ولكنه لميستطع حتى أن يميز أي شخصين هما. وغامت عيناه وخفق قلبه بعنف. "ولكن هذا المعطفمعطفي!" – قال أحدهما بصوت راعد وأمسك بياقة معطفه. واراد اكاكي اكاكيفتش أن يصرخ: "النجدة!"، ولكن الآخر دس أمام فمه مباشرة قبضة بحجم رأس موظف ودمدم: "حاول أنتصرخ". ولم يشعر اكاكي اكاكيفتش إلا وهما ينزعان عنه المعطف، ثم ركلاه ركلة قوية،فسقط على وجهه فوق الثلج، ولم يعد يشعر بشيء أكثر من ذلك. وبعد بضع دقائق عاد إلىوعيه، فنهض على قدميه. ولكن لم يكن هناك أحد. وأحس أن الجو بارد وأن المعطف ليسموجودا، فأخذ يصرخ، ولكن صوته كما بدا لم يكن ينوي أن يبلغ آخر الميدان. فانطلقاكاكي اكاكيفتش يركض في يأس، وهو لا يكف عن الصراخ، ولكن صوته كما بدا لم يكن ينويأن يبلغ آخر الميدان. فانطلق اكاكي اكاكيفتش يركض في يأس، وهو لا يكف عن الصراخ،متجها، عبر الميدان إلى كشك الحراسة مباشرة حيث كان الدركي يقف متكئا على البلطة. وهو يتطلع فيما يبدو بفضول ويريد أن يعرف أي شيطان دفع هذا الشخص إلى الركض نحوهصارخا من بعيد. وعندما بلغه اكاكي اكاكيفتش راح يصرخ بصوت مختنق بأنه نائم ولا يحرسشيئاً ولا يرى كيف ينهبون الناس. فأجاب الدركي بأنه لم ير شيئا وأنه رأى كيفاستوقفه شخصان وسط الميدان، ولكنه ظن أنهما من معارفه. وأنه بدلا من السباب عبثا منالأفضل أن يذهب غدا إلى المفتش، وسيعثر المفتش على من سرق المعطف. وعاد اكاكياكاكيفتش إلى المنزل في اضطراب تام، فقد تبعثر شعره الذي تبقى لديه بكمية صغيرة عندصدغيه ومؤخرة رأسه، وكان جنبه وصدره وسرواله ملوثة بالثلج كلها. وعندما سمعتالعجوز، صاحبة شقته دقا رهيبا على الباب نهضت من فراشها على عجل وركضت بفردة شبشبواحدة في قدمها لتفتح الباب وقد شدت بإحدى يديها القميص على صدرها من التواضع. ولكنعندما فتحت الباب تراجعت إلى الخلف إذ رأت اكاكي اكاكيفتش في هذه الهيئة. وعندما قصعليها ما حدث له أشاحت بيديها وأشارت عليه بأن يذهب مباشرة إلى مأمور القسم، لنشرطي الحي سيخدعه، فسيعده بالبحث، ثم يماطل بعد ذلك. أفضل شيء أن يذهب إلى المأمورمباشرة، بل انها تعرف المأمور لأن الفنلندية التي كانت تعمل عندها طاهية، أصبحتتعمل الآن عند المأمور مربية، كما أنها كثيرا ما تراه شخصيا عندما يمر بجوارمنزلهم، كما أنه يتردد على الكنيسة كل أحد ليصلي وفي الوقت نفسه يتطلع إلى الجميعبمرح، ولذلك فهو على ما يبدو رجل طيب. وبعد أن سمع اكاكي اكاكيفتش هذا القرار جرساقيه حزينا إلى غرفته. أما كيف قضى ليلته فلنترك الحكم على ذلك لمن يستطيع أنيتخيل ولو إلى حد ما وضع شخص آخر. وفي الصباح الباكر مضى إلى المأمور. فقيل له أنهنائم. وعاد في العاشرة، فقيل له ثانية أنه نائم. فعاد في الحادية عشرة ، فقيل له أنالمأمور غادر البيت. فعاد ساعة الغداء، الا أن الكتبة في المدخل لم يريدوا أنيسمحوا له بالدخول وأصروا على أن يعرفوا الغرض من زيارته وماذا يريد وماذا حدث. لكناكاكي اكاكيفتش أراد أخيرا أن يبدي صلابة ولو مرة في حياته، فقال بلهجة قاطعة أنهيريد مقابلة المأمور نفسه وأنهم لا يملكون الحق أن يمنعوه من مقابلته وأنه جاء منالادارة في عمل رسمي وأنه سوف يشكوهم وعندئذ سيرون. ولم يستطع الكتبة أن يقولواشيئاً أمام ذلك. فذهب أحدهم لاستدعاء المأمور. وكان موقف المأمور من روايته عنالسرقة غريبا للغاية. فبدلا من أن يوجه اهتمامه إلى النقطة الأساسية في الموضوع راحيسأل اكاكي اكاكيفتش لماذا عاد في هذه الساعة المتأخرة وألم يعرج في الطريق على أحدالمنازل المشبوهة حتى أن اكاكي اكاكيفتش أحرج تماما وخرج من عنده، وهو لا يعرف هلستسير قضية معطفه كما ينبغي أم لا. لقد قضى هذا النهار كله غائبا عن العمل (المرةالوحيدة في حياته). وفي اليوم التالي جاء شاحبا وفي قبوطه القديم الذي أصبح أكثربؤسا. وهزت قصة سرقة المعطف قلوب الكثيرين بالرغم من أنه كان هناك بعض الموظفينالذين لم يتورعوا حتى في هذه المناسبة عن السخرية باكاكي اكاكيفتش. وقرروا علىالفور أن يجمعوا له تبرعا، إلا انهم جمعوا مبلغا تافها لأن الموظفين كانوا قدأنفقوا الكثير في الاكتتاب لرسم صورة للمدير وفي شراء كتاب ما اقترحه عليهم رئيسالقسم الذي كان صديقا للمؤلف. وهكذا جمعوا مبلغا تافها للغاية. وقرر أحدهم بوازع منالشفقة أن يساعد اكاكي اكاكيفتش على الأقل بنصيحة طيبة، فأشار عليه بألا يذهب إلىشرطي الحي، إذ بالرغم من أنه قد يحدث أن يتمكن الشرطي رغبة منه في كسب تقديرالرؤساء من العثور على المعطف بطريقة ما، لكن المعطف مع ذلك سيبقى في قسم البوليسما لم يقدم اكاكي اكاكيفتش أدلة قانونية على ملكيته له. أفضل شيء أن يقصد احدىالشخصيات الهامة، فهذه الشخصية الهامة تستطيع بالاتصال ومخاطبة من ينبغي أن تدفعالقضية بنجاح أكبر. ولم يكن أمام اكاكي اكاكيفتش من مفر، إنما ينبغي أن نعلم أنإحدى الشخصيات الهامة أصبح منذ فترة قريبة شخصية هامة، أما قبل ذلك فكان شخصية غيرهامة. على أية حال فإن منصبه لا يعتبر حتى الآن هاما بالمقارنة مع المناصب الأخرىالأكثر أهمية. غير أنك ستجد دائما دائرة من الناس الذين يعتبرون مهما ما يبدو فيعيون الآخرين غير مهم. على أية حال حاول هذه الشخصية الهامة أن يزيد من أهميتهبوسائل أخرى كثيرة، وبالتحديد فقد عمل على أن يستقبله الموظفون الصغار على السلمساعة حضوره إلى وظيفته وألا يجرؤ أحد على الدخول إليه مباشرة، بل يمضي كل شيء وفقنظام صارم: أن يبلغ المساعد الاعتباري سكرتير المحافظ، ويبلغ سكرتير المحافظالمستشار الاعتباري أو شخصا آخر، وبهذه الطريقة يبلغ الأمر إليه. هكذا تنتشر عدوىالتقليد إلى كل شيء في روسيا المقدسة، ويحاول كل شخص أن يقلد رئيسه ويتشبه به. بلانه يقال أن مستشارا اعتباريا ما عندما عينوه رئيسا لاحدى الادارات الصغيرةالمستقلة، اقتطع لنفسه على الفور غرفة خاصة وسماها "غرفة الحضور" ووضع على بابهاحجابا ما بياقات حمراء، كانوا يمسكون بمقبض الباب ويفتحونه أمام كل وافد على الرغممن أن "غرفة الحضور" كانت لا تتسع إلا بالكاد لطاولة مكتب عادية. لقد كانت أساليبوعادات الشخصية الهامة رصينة ومهيبة ولكن دون تعقيد. كانت الصرامة هي القاعدةالأساسية لنظامه. وكان يقول عادة: "الصرامة والصرامة، ثم الصرامة" وعند الكلمةالأخيرة يحدق في العادة بأهمية في وجه من يخاطبه. رغم أن ذلك على أية حال لم يكن لهأدنى مبرر لأن الموظفين العشرة الذين كانوا يشكلون كل الجهاز الحكومي للادارة،كانوا حتى بدون ذلك مرعوبين بدرجة كافية. فما أن يروه من بعيد حتى يتركوا عنهمأعمالهم ويقفوا في انتباه منتظرين حتى يمر الرئيس عبر الغرفة. وكان حديثه العادي معمرؤوسيه يتسم بالصرامة ويتألف تقريبا من ثلاث جمل: "كيف تجرؤ؟ هل تعلم مع من تتحدث؟هل تفهم أمام من تقف؟" على أية حال كان في قرارته رجلا طيبا، لطيفا مع رفاقه،خدوما، الا أن رتبة الجنرال أفقدته توازنه. فما أن حصل على رتبة الجنرال حتى ارتبكوضل طريقه ولم يعرف ابدا كيف يتصرف. فاذا حدث أن اجتمع مع أناس من مستواه كان يبدوانسانا وكما ينبغي انسانا مستقيما جدا، بل وحتى انسانا غير غبي في كثير من النواحي. ولكن ما أن يتواجد في مجتمع فيه أشخاص أدنى منه ولو برتبة واحدة حتى يصبح شخصا لاأمل منه: كان يركن إلى الصمت، ويثير وضعه الشفقة، خاصة وأنه هو نفسه كان يشعر بأنهكان من الممكن أن يقضي وقته بصورة أفضل بكثير. وكانت تتبدى في عينيه أحيانا رغبةقوية المشاركة في أحد الأحاديث أو الانضمام إلى احدى الحلقات الشيقة، فتصده عن ذلكفكرة: "لن يكون ذلك تنازلا كبيرا من جانبه؟ ألن يكون في ذلك رفع للكلفة، ألن يكونفي ذلك اهدارا لأهميته؟" ونتيجة لهذه الأفكار يظل دائما في نفس حالة الصمت التي لاتتغير، فلا يتفوه الا نادرا بأصوات أحادية المقاطع حتى استحق لقب أضجر انسان. إلىهذه الشخصية الهامة توجه صاحبنا اكاكي اكاكيفتش ووصل في وقت غير موات أبدا وغيرمناسب أبدا له وان كان على أية حال مناسبا للشخصية الهامة.
كان صاحبنا الشخصية الهامة في غرفة مكتبه يتحدث، وهو في غاية المرح، مع شخص جاء منذطويل. وفي هذه الأثناء أبلغوه أن شخصا يدعى بشماتشكين يريد مقابلته. فسأل باقتضاب: "من القادم؟" فأجابوه: "أحد الموظفين". فقال الر
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 36
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قصص قصيرة لكتاب كبار  - صفحة 2 Empty رد: قصص قصيرة لكتاب كبار

مُساهمة  NoUr kasem الأحد نوفمبر 14, 2010 10:31 am

الرجل المجنح

ماركيز

بعد اليوم الثالث للمطر كانوا قد قتلوا الكثير جداً من السرطانات داخل البيت مما اضطر بيلايو أن يعبر باحته الموحلة ليرميها في البحر، ذلك لأن الوليدة الجديدة قد أصيبت بالحمى طوال الليل واعتقدوا أن ذلك بسبب الرائحة النتنة.
العالم حزيناً منذ الثلاثاء. صار البحر والسماء قطعة واحدة من الرماد ورمال الشاطئ التي تلمع في ليالي آذار مثل ضوء مطحون، وقد أمست مزيجاً من الطين والمحار. وهن الضوء جداً في وقت الظهيرة حتى أن بيلايو عندما عاد إلى بيته بعد أن رمى السرطانات، كان من الصعب عليه أن يرى ذلك الذي يتحرك ويئن في آخر الباحة. تحتم عليه أن يقترب جداً ليرى أنه رجل عجوز، عجوز جداً، منكب على وجهه في الطين، وهو على الرغم من كل الجهود المضنية التي يبذلها، لا يستطيع النهوض، إذ أن جناحين هائلين كانا يعيقانه. أرعبه هذا الكابوس فهرع ليأتي بأليسندا زوجته، التي تضع الكمادات على الطفلة المريضة، وأخذها إلى آخر الباحة.
نظرا إلى الجسد الملقى بذهول أخرس. كان يرتدى أسمال جامعي الخرق. لم تكن هناك سوى بضعة شعيرات على صلعته وبضعة اسنان في فمه، وحالته المثيرة للشفقة لجد كبير واقع في الوحل أزالت أي شعور بالمهابة كان من الممكن أن يحمله. جناحاه الصقريان الضخمان، الوسخان والنصف منتوفان، عالقان أبداً في الطين. كان بيلايو وأليساندا قد نظرا إليه طويلاً وعن قرب حتى تغلبا على ذهولهما فوجداه في الأخير أليفاً. ثم تجرأا للكلام معه وأجابهما بصوت قوي غير مفهوم لبحار. هكذا تخطيا غرابة الجناحين واستخلصا بذكاء أنه قد قذف بمفرده من سفينة أجنبية غارقة بفعل عاصفة. ولذلك استدعيا جارتهما، التي كانت تعرف كل شيء عن الحياة والموت، لتراه. كلما كانت تحتاج إليه هي نظرة واحدة لتبين لهما خطأهما.
قالت لهما،"إنه ملاك. لابد أنه قد جاء من أجل الطفلة، لكن المسكين هرم جداً مما جعل المطر يطيح به."
في اليوم التالي عرف الجميع قد أن ملاكاً بدمه ولحمه قد وقع أسيراً في منزل بيلايو. وإزاء الرأي الحكيم الذي طرحته الجارة، التي كانت ترى أن الملائكة في تلك الأزمنة لاجئون انقذوا من مؤامرة روحية، لم تطاوعهم قلوبهم على ضربه بالهراوات حتى الموت. كان بيلايو يراقبه طوال وقت العصر من نافذة المطبخ، متسلحاً بهراوته البوليسية، وقبل أن يأوي إلى فراشه أخرجه من الطين وحشره في القن مع الدجاجات. وعند منتصف الليل، عندما توقف المطر، كان بيلايو وأليساندا لايزالان يقتلان السرطانات. بعد ذلك بوقت قصير أفاقت الطفلة من الحمى وصارت لديها رغبة في تناول الطعام. فشعرا بشهامة دفعتهما إلى أن يقررا أن يضعا الملاك على طوف مع ماء عذب وزوادة لثلاثة أيام ويتركانه لمصيره في أعالي البحار. لكنهما حين ذهبا إلى الباحة مع ظهور أول خيط للفجر، شاهدا أن الجيران كلهم هناك أمام قن الدجاج ويتسلون بالملاك، ومن دونما وازع، يرمونه عبر الفتحات بمختلف الأشياء ليأكلها كأنه لم يكن كائناً سماوياً بل مجرد حيوان سيرك.
وصل الأب غونزاكا قبل السابعة، بعد أن ذعرته الأخبار الغريبة. خلال ذلك الوقت كان قد وصل متفرجون أقل طيشاً من أولئك الذين جاؤوا مع الفجر وكانوا يقومون بكل انواع الحدوس التي تتعلق بمستقبل الأسير. وأبسطها فكرة أن من الأحرى تعيينه عمدة للعالم. آخرون من امتلكوا عقلاً صارماً شعروا أنه من الأحرى أن يرقى مرتبة جنرال بخمس نجوم من أجل كسب جميع الحروب. البعض من الحالمين تأملوا أنه من الممكن أن يوضع للاستيلاد من أجل أن تنتشر في الأرض سلالة من البشر المجنحين الحكماء الذين من الممكن أن يتولوا مسؤولية الكون. لكن الأب قبل أن يكون كاهناً، كان يعمل في تقطيع الأخشاب. فراجع ثقافته الشفاهية بلحظة وطلب منهم فتح الباب كي يلقي نظرة فاحصة على ذلك الرجل المسكين الذي كان يبدو أشبه بدجاجة ضخمة عاجزة بين الدجاجات الرائعات. كان يضطجع في الزاوية يجفف جناحيه المفتوحين تحت ضوء الشمس بين قشور الفواكه وبقايا طعام الإفطار التي رماها عليه من جاؤوه مبكرا. وعندما دخل الأب غونزاكا القن وقال له صباح الخير باللاتينية. وشعر بالغربة إزاء وقاحة العالم فلم يستطع الملاك إلا أن يرفع عينيه الأثريتين ويتمتم بشيء ما بلغته الخاصة. عندما لم يفهم لغة الرب ولم يعرف كيف يحيي كهنته صار لدى كاهن الإبرشية شك بأن هذا دجال لا غير. وعندما اقترب منه لاحظ أنه اقرب إلى البشر؛ فلديه رائحة مشردين لا تطاق، الجانب الخلفي من جناحيه قد اكتسى بالطفيليات كما أن الريش الكبيرة قد عبثت بها الريح، وليس ثمة شيء يمكن أن يحيله إلى كرامة وفخر الملائكة. ثم خرج من قن الدجاج وبموعظة موجزة حذر من المتطفلين ومن خطر كونه مخلصاً. وذكرهم أن الشيطان كانت له تلك العادة السيئة في استعمال خدع الكرنفال من أجل إيهام الغافلين. وكانت حجته أنه إذا كانت الأجنحة هي العنصر الأساسي في الأقرار بالاختلاف بين الصقر والطائرة، فهي اقل من ذلك أهمية لدى التعرف على الملائكة. لكنه رغم ذلك قد وعد بأن يكتب رسالة إلى اسقفه كي يكتب الأخير رسالة إلى كبير أساقفته الذي بدوره سيكتب إلى الحبر الأعظم لغرض الحصول على الحكم الأخير من أعلى السلطات.
لقد وقعت حكمته على قلوب عقيمة. وانتشرت أخبار الملاك الأسير بسرعة هائلة حتى أن الباحة قد امتلأت بعد سويعات بضجة كضجة السوق وتحتم عليهم أن يطلبوا النجدة من قوات يحملون حراب مشرعة لتفريق جمهور الغوغاء الذين أوشكوا أن يطيحوا بالبيت. وكان ظهر أليسندا قد انقصم من تنظيف نفايات ذلك السوق، حتى تولدت لديها فكرة وضع سياج للباحة وطلب خمس سنتات رسم دخول لمشاهدة الملاك.
وجاء حب الاستطلاع من مكان بعيد. إذ وصل كرنفال من الرحالة ومعهم بهلوان طائر كان يئز فوق الجمهور المزدحم مرة إثر مرة من دون أن ينتبه إليه أحد لأن جناحيه لم يكونا لملاك بل، بالأحرى، لخفاش نجمي. وحضر أغلب التعساء من المرضى الباحثين عن الشفاء؛ إمرأة مسكينة تحصي دقات قلبها وقد نفدت الأرقام لديها؛ رجل برتغالي لم يستطع النوم لأن ضوضاء النجوم تقلق راحته؛ سائر في نومه نهض في الليل وألغى كل ما عمله عندما كان في اليقظة، والكثير ممن لديهم مصائب أقل جدية. في خضم تلك الفوضى التي جاءت من السفينة الغارقة، كان بيلايو وأليسندا سعيدان ومرهقان، لأنهما في أقل من أسبوع امتلأت غرفهما بالأموال ولا يزال هنالك طابور جد طويل للحجاج ينتظر دوره للدخول يصل مداه إلى ما بعد الأفق.
كان الملاك هو الوحيد الذي لم يشترك في مشهده. فقضى وقته محاولاً أن يستريح في عشه المستعار، مربكاً من الحرارة الجحيمية لمصابيح الزيت وشموع السر المقدس التي وضعت بمحاذاة أسلاك القن. حاولوا في البداية أن يجعلوه يأكل كرات العث، الطعام الذي يوصف للملائكة تبعاً إلى توصية الجارة الحكيمة. لكنه رفضها كما رفض وجبات الطعام البابوية التي جلبها له المرضى، ولم يعرفوا أن رفضه قد جاء بسبب أنه كان ملاكاً أو بسبب أنه رجل عجوز. ولم يأكل في الأخير غير الباذنجان المهروس. كانت ميزته الخارقة للطبيعة الوحيدة هي الصبر. خصوصاً في الأيام الأولى، عندما نقرته الدجاجات بحثاً عن الطفيليات المفضلة لديها والتي تتكاثر في جناحيه وكان المشلولون ينزعون عنه الريش ليضعوه على أعضائهم المصابة، وحتى أكثرهم عطفاً عليه كانوا يرجمونه بالأحجار محاولين إيقافه لينظروا إليه وهو منتصبا. والمرة الوحيدة التي نجحوا في إيقافه عندما حرقوا جنبه بسيخ لوسم الثيران المخصية، لأنه كان جامداً لساعات طويلة حتى ظنوا أنه ميت. نهض مذعوراً زاعقاً بلغته السحرية تتساقط الدموع من عينيه ونفض جناحيه عدة مرات مما اثار زوبعة من غبار ذروق الدجاج ونوبة ذعر بدت آتية من عالم غير هذا العالم. ورغم أن الكثيرين ظنوا ان رد الفعل هذا لم يأت من الغضب بل من الألم، صاروا حذرين في أن لا يزعجونه، لأنهم أدركوا أن سلبيته لم تتأت من انه يريد أن يستريح بل هو هدوء العاصفة. كان الأب غونزاكا يرد الجموع المندفعة بكلمات مستوحات من الخادمة بينما كان في انتظار وصول الحكم النهائي بشأن طبيعة الأسير. ولكن بريد روما لم تبد عليه العجلة. فالوقت في معرفة إذا كان الاسير له سرة، أو إن كانت لغته لها علاقة بالآرامية، وكم مرة يمكنه أن يثبت رأس الدبوس، أو فيما إذا لم يكن غير نرويجي له أجنحة. هذه الرسائل الهزيلة لربما تستمر في أن تأتي وتذهب إلى آخر الزمان لو لم تضع العناية الألهية نهاية للمصائب التي على رأس الكاهن.
وحدث في تلك الأيام، أن من بين كرنفالات الجذب، وصل المدينة عرض لرحالة ظهرت فيه المرأة التي انقلبت إلى عنكبوت لأنها لم تطع والديها. كان الرسم الذي يدفع لرؤيتها ليس أقل مما يدفع لرؤية الملاك فحسب، بل سمح للناس أن يسألوها كل أنواع الأسئلة حول حالتها المزرية ويتفحصونها من كل جوانبها حتى لايشك أحد بحقيقة رعبها. كانت عبارة عن عنكبوت ضخم بحجم الكبش ولها رأس فتاة حزينة. وما كان يمزق القلب هو ليس شكلها الغريب بل الألم الصادق المنبعث من روايتها لتفاصيل حظها العاثر. فعلى الرغم من أنها كانت لاتزال طفلة تسللت من منزل والديها لتذهب للرقص، وأثناء عودتها عبر الغابات بعد أن قضت الليل بطوله ترقص من دون السماح لها بذلك، صعق رعد السماء وفلقها وعبر ذلك الانفلاق جاء صاعق برقي كبريتي وحولها إلى عنكبوت. كان غذاؤها الوحيد هو من الكرات اللحمية التي يتصدق بها المحسنون ويدفعونها في فمها. مشهد مثل هذا، مليء بالحقيقة البشرية وبدرس مروع، كان على وشك أن يقضي على مشهد ملاك متعجرف نادراً ما كان يتلطف بالنظر إلى الناس. فضلاً عن ذلك ثمة بضعة معجزات أوعزت إلى الملاك توضح اختلاله العقلي، مثل الرجل الأعمى الذي لم يشفه بل زرع له ثلاثة اسنان جديدة، والمشلول الذي لم يتمكن من السير بل كاد يربح اليانصيب، والمجذوم الذي نبتت في تقرحاته زهور عباد الشمس. عزاء المعجزات هذا، الذي كان أشبه بالسخرية، كان قد حطم سمعة الملاك التي سحقت تماماً في الأخير مع مجيء المرأة التي تحولت إلى عنكبوت. وهكذا شفي الأب غونزاكا تماماً من أرقه وخلت باحة دار بيلايو مثلما كانت خالية عندما أمطرت السماء لثلاثة أيام ودخلت السرطانات إلى غرف النوم.
لم يكن ثمة من داع لإلقاء اللوم على صاحبي المنزل. فقد بنيا بالمال الذي حصلا عليه بيتا بطابقين وله شرفات وحدائق وشبكة عالية تمنع السرطانات من النزول داخل البيت عند الشتاء، ووضعا قضباناً حديدية تمنع الملائكة من الدخول. وعمل بيلايو مزرعة أرانب قرب المدينة وتخلى عن عمل وكيل مزرعة إلى الأبد، واشترت أليسندا أحذية ساتانية فاخرة بكعب عال والكثير من الثياب القزحية الحريرية، التي ترتدى في تلك الأيام من قبل اغلب النساء في يوم الأحد. كان قن الدجاج هو الوحيد الذي لم ينتبهوا إليه. وإن كانوا يغسلونه بالكريولين وقطرات من الصمغ الراتينجي بين الحين والحين. لكن ذلك ليس إجلالاً للملاك بل لإبعاد رائحة الروث التي لاتزال عالقة في كل مكان كالشبح وتحيل البيت الجديد إلى بيت قديم. وعندما تعلمت الطفلة المشي لأول مرة حرصا على أن لا تقترب من قن الدجاج. لكنهما فيما بعد أبعدا مخاوفهما وألفا الرائحة، وقبل أن يظهر السن الثاني لطفلتهما كانت قد ذهبت لتلعب قرب قن الدجاج حيث تداعى الجدار السلكي للقن. كان الملاك فاتراً معها مثلما كان مع باقي الكائنات، لكنه تحمل أبشع سلوك بريء بصبر كلب لا أوهام لديه. وأصيبا كلاهما بجدري الدجاج. الطبيب الذي جاء لمعلجة الطفلة لم يستطع مقاومة أغراء الاستماع إلى قلب الملاك، ووجد صوت صفير في القلب وسمع الكثير من الأصوات في كليتيه حتى بدا للطبيب أن من الاستحالة أن يكون حيا. الشيء الأغرب هو منطق جناحيه. لقد كانا يبدوان طبيعيين على ذلك الجسم البشري حتى أنه استغرب لماذا لا يملك البشر الآخرون مثلهما.
عندما بدأت الطفلة بالذهاب إلى المدرسة كان قد مر بعض الوقت الذي هدمت فيه الشمس والأمطار قن الدجاج. وظل الملاك يجر نفسه هنا وهناك مثل رجل ضال يلفظ أنفاسه الأخيرة. كانوا يطردونه من غرفة النوم بالمكنسة فيجدونه قد ذهب إلى المطبخ. حتى ظهر لهم أنه موجود في عدة أماكن في اللحظة نفسها وظنوا أنه صار أكثر من واحد، كأنه يولد من نفسه آخرين ينتشرون داخل البيت، مما جعل أليسندا الساخطة والمشوشة أن تصرخ أن هذه حياة بائسة في جحيم مليء بالملائكة. كان نادراً ما يأكل وأمست عيناه الأثريتين مضببتين أدت به إلى أن يصطدم بالأعمدة.
كل ما بقي له هي الإبر المجردة لآخر ريشات له. رمى عليه بيلايو بطانية وتفضل عليه أيضاً بالسماح له بالمنام في السقيفة ولاحظوا عندذاك أن حرارته قد ارتفعت في الليل وبدأ بالهذيان ملتوي اللسان مثل عجوز نرويجي. وكانت تلك هي من المرات القليلة التي يشعرون فيها بالخطر، لاعتقادهم أنه سوف يموت ولن تستطيع حتى جارتهم الحكيمة أن تنصحهم بما يجب أن يعملونه بملاك ميت.
ولكنه لم يعش طوال الشتاء فحسب بل بدا أنه تحسن مع الأيام المشمسة الأولى. وبقي دون حراك لعدة أيام في ابعد زاوية من الباحة، حيث لا أحد يراه، ومع بواكير كانون الثاني نبتت له بعض الريش الكبيرة الصلبة، ريش فزاعة، هي اشبه بعجز مأساوي آخر. ولكن لابد أنه كان يعلم سبب تلك التغيرات، لأنه كان حريصاً جداً على أن لا يلاحظه أحد ، ولا أحد يسمع الأناشيد البحرية التي كان يغنيها أحياناً تحت النجوم. وفي احد الأيام عندما كانت أليسندا تقطع البصل للغداء دخلت إلى المطبخ ريح بدت كأنها آتية من أعالي البحار. ثم أطلت من النافذة ورأت الملاك وهو في أولى محاولاته للطيران. كانت غير متقنة لدرجة أن أظافره قد فتحت حفرة في البقعة الخضراء وكان على وشك أن يطيح بالسقيفة برفرفته الخرقاءالمنفلتة في الضياء والتي لم توفق في قبض الهواء. ولكنه تمكن من تحقيق بعض العلو. وأطلقت اليسندا تنهيدة راحة، من أجل نفسها ومن أجله، عندما راقبته يمر من فوق أخر المنازل، رافعاً نفسه على نحو ما برفرفة مجازفة كأنها لنسر عجوز. ظلت تراقبه وهي لاتزال تقطع البصل واستمرت تراقبه حتى حين لم يعد بإمكانها رؤيته، لأنه عند ذاك لم يعد يمثل أي قلق لحياتها بل مجرد نقطة خيالية في أفق البحر.
NoUr kasem
NoUr kasem
مساعد المدير
مساعد المدير

عدد المساهمات : 1954
تاريخ التسجيل : 08/09/2009
العمر : 36
الموقع : دمشق . . فلسطينية الأصل

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 2 من اصل 2 الصفحة السابقة  1, 2

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى